والروايات لا تدلّ إلّا على أنّ ما كان فيه ضيق على مكلّف فهو مرتفع عنه ، وأمّا ارتفاع ما كان ضيقا على الأكثر عمّن هو عليه في غاية السهولة ، فليس فيه امتنان على أحد ، بل فيه تفويت مصلحة التكليف من غير تداركها بالتسهيل.
وأمّا ما ورد من دوران الأحكام مدار السهولة على الأغلب ، فلا ينفع فيما نحن فيه ؛ لأنّ الشبهة الغير المحصورة ليست واقعة واحدة حكم فيها بحكم حتّى يدّعى أنّ الحكم بالاحتياط في أغلب مواردها عسر على أغلب الناس ، فيرتفع حكم الاحتياط فيها مطلقا ، بل هي عنوان لموضوعات متعدّدة لأحكام متعدّدة ، والمقتضي
______________________________________________________
كما إذا لم يكن هنا ما يوجب استعمال البعض ، وقد يتحقّقان في المحصور أيضا ، كما إذا اضطرّ إلى استعمال البعض منه ، مع أنّهما يقتضيان رفع الإثم دون غيره كالنجاسة ، ولهذا لو اضطرّ إلى أكل الميتة لم يرتفع عنه حكم النجاسة» انتهى.
وأقول : إنّ ما أورده أوّلا من عدم اطّراد القاعدة في جميع موارد الشبهة غير المحصورة يظهر الكلام فيه ممّا ذكره المصنّف رحمهالله ، وما علّقناه على توضيح كلامه. وما أورده ثانيا من كون مقتضى العسر والحرج مجرّد رفع الإثم دون غيره من الأحكام ، يرد عليه ـ مضافا إلى أنّ المقصود في المقام منع وجوب الاحتياط ، ويكفي فيه مجرّد عدم الإثم في الارتكاب لإثبات الطهارة والحلّية ـ ما عرفته من منع ذلك ، كيف لا وتقدّم قاعدة العسر على سائر العمومات المثبتة للتكاليف أقوى من تقدّم الأدلّة الخاصّة عليها ، لكون تقدّمها عليها من باب الحكومة ، وتقدّم الخاصّ عليها من باب المعارضة وقوّة الدلالة.
وعلى كلّ تقدير فلا إشكال فيما ذكرناه ، ولذا احتجّ بها بعض الأصحاب على طهارة الحديد في مقابل الأخبار الدالّة على نجاسته. واعتذار المحقّق المذكور عنه بأنّه تأسيس للحكم ودفع لا رفع لحكم ثابت ، وبينهما فرق واضح ، غير واضح كما اعترف به في الفصول. نعم ، هنا كلام آخر في جواز التمسّك بمثل هذه القواعد التي كثر ورود التخصيص عليها من دون جابر ، ولا دخل له فيما ذكره ، والله العالم.