.................................................................................................
______________________________________________________
المكلّف به. والفرق بينهما واضح ، لأنّ نفس إلزام المكلّف بشيء ـ سواء كان هذا الشيء في نفسه خفيفا أم ثقيلا ـ لما كان ضيّقا على المكلّف رفعه الشارع عند الجهل به ، وهو لا يستلزم نفي التكليف فيما كان الضيق حاصلا من جهة نفس المكلّف به. ومن هنا يظهر أنّ تمسّك بعضهم بأصالة البراءة فيما لو توقّف الوضوء أو الغسل من الجنابة مثلا على شراء الماء بأضعاف قيمته ليس في محلّه ، لأنّه من موارد قاعدة الضرر والعسر دون البراءة ، كما يظهر ممّا قدّمناه.
وكيف كان ، فالأولى في تقرير وجه النظر ما قرّره بعض مشايخنا من أنّ الطبيعة وإن كانت عين أفرادها ، وأنّ الخصوصيّة من حيث هي غير قابلة لتعلّق حكم بها ، إلّا أنّه مع دوران الأمر بين تعلّق التكليف بالطبيعة وتعلّقه بفرد خاصّ منها ، يعدّ العبد في نظر أهل العرف مكلّفا بالطبيعة يقينا وبالخصوصيّة الخاصّة شكّا ، وإن لم يكن لذلك أصل وحقيقة عند ذوي الأفهام الدقيقة ، إلّا أنّ المحكّم في أمثال المقام هو العرف ، فكان الأمر بالمقيّد عندهم أمر بمتعدّد ، أعني : الطبيعة وقيدها ، فكلّ منهما في نظرهم محلّ للتكليف ومورد له ، ولذا تراهم يزعمون في الأوامر المتعلّقة بالطبائع كون الطبيعة متّصفة بالوجوب العيني والأفراد بالوجوب التخييري العقلي ، وهذا ليس إلّا مبنيّا على ما ذكرنا من مغايرة الطبيعة للخصوصيّة في نظرهم وإن اتّحدا عند التحقيق.
فإذا فرض وجود الطبيعة مع قطع النظر عن الخصوصيّات الخارجة ولو في نظرهم ، وحصل الشكّ في تعلّق التكليف بها لا بشرط حصولها في ضمن فرد خاصّ أو بشرط حصولها كذلك ، ينحلّ العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي ، فينفى وجوب المشكوك فيه بالأصل ، التفاتا إلى ما يقتضيه نظر أهل العرف ، وإغماضا عمّا يقتضيه العقل الدقيق.
ولا بدّ من الالتزام بذلك ، إذ لولاه لم تجر أصالة البراءة في القسم الأوّل أيضا ، أعني : ما كان الشرط فيه منتزعا من أمر خارجي كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة ،