.................................................................................................
______________________________________________________
لأنّ شرط الصلاة ليس نفس الوضوء ولا الطهارة الحاصلة منه من حيث هي ، بل الشرط هو وقوع الصلاة في حال طهارة المصلّي ، وهذه الخصوصيّة متّحدة مع طبيعة الصلاة في الوجود الخارجي ، فلا تصلح لتعلّق تكليف بها مغايرا للتكليف بالطبيعة كما أسلفناه. ومجرّد وجود منشأ انتزاع لها غير مجد في المقام ، كما أوضحه المصنّف رحمهالله. فجريان البراءة هنا أيضا لا يتمّ إلّا بالالتزام بما قدّمناه من المسامحة العرفيّة ، لأنّ العرف هو المحكّم في باب الإطاعة والامتثال.
هذا كلّه فيما دار الأمر فيه بين التعيين والتخيير العقلي. ومن طريق ما بيّنّاه يظهر أنّ الأمر فيما دار الأمر فيه بين التعيين والتخيير الشرعيّ أشكل ، لأنّ أحد طرفي العلم الإجمالي هناك لما كان هي الطبيعة أمكن أن يقال بكونها متيقّنة والخصوصيّة مشكوكة ، لتغايرهما ذهنا وإن اتّحدتا وجودا ، فينفى المشكوك فيه بالأصل ، بخلافه هنا ، لأنّ الترديد والدوران فيه بين تعلّق التكليف بفرد خاصّ وتعلّقه بأفراد مخصوصة على سبيل التخيير والبدليّة ، فجريان أصالة البراءة في الفرد الخاصّ المعيّن معارض بجريانها في الواحد المخيّر فيه ، وليس هنا جامع متيقّن يؤخذ به ، وينفى وجوب المشكوك فيه بالأصل.
وتوضيح ذلك أنّهم قد اختلفوا في الواجب التخييري على أقوال ، والمتيقّن منها قولان للمعتزلة والأشاعرة ، لأنّ المعتزلة قد ذهبوا إلى تعلّق الوجوب في الواجب التخييري بكلّ واحد من فرديه بالاستقلال ، وأنّ الفرق بين وجوب الفردين تخييرا ووجوبهما عينا هو سقوط التكليف بالإتيان بأحدهما على الأوّل دون الثاني. وذهب الأشاعرة إلى أنّ الواجب هو الكلّي المنتزع من الفردين ، أعني : مفهوم أحدهما. ونحن قد ذكرنا في مبحث الواجب التخييري في الفرق بينه وبين العيني كونهما مختلفين بحسب إنشاء الوجوب ، وأنّ إنشاء التخيير بمنزلة العدول عن إنشاء وجوب أحد الفردين المخيّر فيهما إلى إنشاء وجوب الآخر ، فإذ أخبرنا الشارع بينهما فكأنّه قال : أوجبت عليك هذا بل ذاك ، وهو وإن لم يكن عدولا