ولو لم يكف هذا المقدار في الاستصحاب لاختلّ جريانه في كثير من الاستصحابات ، مثل استصحاب كثرة الماء وقلّته ؛ فإنّ الماء المعيّن الذي اخذ بعضه أو زيد عليه يقال : إنّه كان كثيرا أو قليلا ، والأصل بقاء ما كان مع أنّ هذا الماء الموجود لم يكن متيقّن الكثرة أو القلّة ؛ وإلّا لم يعقل الشكّ فيه ، فليس الموضوع فيه إلّا (*) هذا الماء مسامحة في مدخليّة الجزء الناقص أو الزائد في المشار إليه ؛ ولذا يقال في العرف : هذا الماء كان كذا ، وشكّ في صيرورته كذا من غير ملاحظة زيادته ونقيصته.
ويدلّ على المطلب ايضا : النبويّ (١٨٢١) والعلويّان المرويّان في عوالي اللآلي ، فعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (١٦). وعن عليّ عليهالسلام :
______________________________________________________
لا يتسامحون في مسألتي الزكاة والخمس بحبّة حنطة أو شعير ، وإن تسامح أهل العرف في الوزن والكيل بأزيد من ذلك. ونقول فيما نحن فيه أيضا : إذا دلّت الأخبار على عدم جواز نقض اليقين بالشكّ ، وتبيّنت قيود هذا الكلام مفهوما عند العرف ، فما الدليل على التسامح في مصاديقها الخارجة بما تقدّم؟
فإن قلت : استصحاب الكرّية عند الشكّ فيها إجماعي كما ادّعاه صاحب الرياض ، مع أنّه لا يتمّ ـ كما ذكره المصنّف رحمهالله إلّا بالمسامحة العرفيّة.
قلت : نعم ، إلّا أنّ العلماء لعلّهم اعتمدوا فيه على بناء العقلاء ، وهو مبنيّ على الظنّ ولو نوعا. ويؤيّده عدم تمسّك من تقدّم على والد شيخنا البهائي بالأخبار الواردة في هذا الباب. وسيجيء تحقيق الكلام في ذلك في مبحث الاستصحاب.
هذا ، مع أنّه قد يورد على الوجه الثاني ـ بعد تسليم المسامحة على الوجه الأوّل ـ بعدم اطّراده إذ قد لا يصدق بقاء الكلّ بعد تعذّر بعض أجزائه ، كالأجزاء الركنيّة على ما زعمه المحقّق القمّي رحمهالله. اللهمّ إلّا أن يكون الوجهان من قبيل مانعة الخلوّ ، لا كون كلّ واحد منهما وجها مستقلّا مطّردا في جميع الموارد.
١٨٢١. المرويّ في دعائم الإسلام ، وهو أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله خطب فقال : «إنّ الله
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : أعمّ من.