فقد يرجّح الأوّل : أمّا بناء على ما اخترناه من أصالة البراءة مع الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ، فلأنّ المانع من إجراء البراءة عن اللزوم الغيري في كلّ من الفعل والترك ليس إلّا لزوم المخالفة القطعيّة ، وهي غير قادحة ؛ لأنّها لا يتعلّق بالعمل ؛ لأنّ واحدا من فعل ذلك الشيء وتركه ضروري مع العبادة ، فلا يلزم من العمل بالأصل في كليهما معصية متيقّنة ، كما كان يلزم في طرح المتباينين كالظهر والجمعة.
وبتقرير آخر : إذا أتى بالعبادة مع واحد منهما قبح العقاب من جهة اعتبار الآخر في الواقع لو كان معتبرا ؛ لعدم الدليل عليه وقبح المؤاخذة من دون بيان ، فالأجزاء المعلومة ممّا يعلم كون تركها منشأ للعقاب ، وأمّا هذا المردّد بين الفعل والترك فلا يصحّ استناد العقاب إليه ؛ لعدم العلم به ، وتركهما جميعا غير ممكن حتّى يقال : إنّ العقاب على تركهما معا ثابت ، فلا وجه لنفيه عن كلّ منهما.
______________________________________________________
في شيء ودخلت في شيء آخر فليس شكّك بشيء». وأفتى به الأصحاب أيضا.
ولكن وقع الخلاف في بعض الأجزاء الآخر ، كما إذا شكّ في كلمة من الفاتحة بعد الدخول في اخرى ، أو في آية بعد الدخول في اخرى ، بل في الفاتحة بعد الدخول في السورة ، كما مثّل به المصنّف رحمهالله. والمشهور عدم جريان قاعدة الشكّ بعد الفراغ فيه ، خلافا لجماعة من المتأخّرين. وظنّي أنّ أوّل من فتح هذا الباب ، وعمّم القاعدة بالنسبة إلى جميع أجزاء الصلاة بل بالنسبة إلى غيرها أيضا ، هو المولى المقدّس الأردبيلي. وسيجيء تفصيل الكلام فيه في مبحث الاستصحاب. ومع الشكّ في جريانها في موارد الخلاف يدور الأمر في تدارك المشكوك فيه بين كونه جزءا أو زيادة مبطلة ، لأنّه بناء على اعتبار القاعدة كان زيادة مبطلة ، وعلى عدم اعتبارها كان جزءا من الصلاة ، لاستصحاب عدم الإتيان به.
هذا كلّه إن قلنا بكون مقتضى القاعدة هي العزيمة ، بأن يحرم التدارك في مواردها. وإن قلنا بكون مقتضاها الرخصة في عدم وجوب التدارك كما يظهر من بعضهم ، تخرج موارد الشكّ من كونها ثمرة للنزاع ، لفرض جواز التدارك حينئذ على تقدير اعتبار القاعدة أيضا.