لوجوب الاجتناب في المحصور ـ وهو وجوب المقدّمة العلميّة بعد العلم بحرمة الأمر الواقعي المردّد بين المشتبهات ـ قائم بعينه في غير المحصور ، والمانع غير معلوم ، فلا وجه للرجوع إلى الاستصحاب إلّا أن يكون نظره إلى ما ذكرنا في الدليل الخامس من أدلّة عدم وجوب الاجتناب : من أنّ المقتضي لوجوب الاجتناب في الشبهة الغير المحصورة ـ وهو حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ـ غير موجود ، وحينئذ فمرجع الشكّ في كون الشبهة محصورة أو غيرها إلى الشكّ في وجود المقتضي للاجتناب ، ومعه يرجع إلى أصالة الجواز.
لكنّك عرفت التأمّل في ذلك الدليل ، فالأقوى وجوب الرجوع مع الشكّ إلى أصالة الاحتياط ؛ لوجود المقتضي وعدم المانع. وكيف كان : فما ذكروه من إحالة غير المحصورة وتميّزه إلى العرف لا يوجب إلّا زيادة التحيّر في موارد الشكّ.
______________________________________________________
به إلى امتثال الحكم المحتمل أو المعلوم إجمالا.
والوجه فيه : أنّ العقل إنّما يستقلّ بقبح التكليف بلا بيان في ما وجب البيان على الشارع ، كما في نفس الأحكام الواقعيّة ، بخلاف طرق امتثالها ، لكون كيفيّة امتثالها موكولة إلى طريقة العقلاء في امتثال أحكام الموالي ، فمع الشكّ في بعض شرائط الامتثال لا يمكن دفع احتماله بأصالة البراءة ، بل العقل مستقل حينئذ بوجوب الاحتياط تحصيلا للبراءة عن التكليف المعلوم تفصيلا أو إجمالا ، ولذا قلنا بكون مقتضى الأصل وجوب تقليد المجتهد الحيّ الأعلم ، وعدم جواز تقليد الميّت وغير الأعلم. بل الأمر كما وصفناه من وجوب الاحتياط في موارد الشكّ على القول بجواز المخالفة القطعيّة أيضا ، لوجود المقتضي وعدم المانع. أمّا الأوّل فلفرض العلم الإجمالي بوجود الحرام بين المشتبهات. وأمّا الثاني فلفرض الشكّ في كون المورد من قبيل غير المحصور حتّى يكون المقتضي مقارنا لوجود المانع ، والأصل عدمه. وما تقدّم من منع وجود المقتضي في غير المحصور على هذا القول ضعيف ، يظهر وجهه ممّا عرفت.