فإن قلت (*) : هذا يقتضي عدم جواز الرجوع إلى البراءة في أوّل الأمر ولو بعد الفحص ؛ لأنّ الفحص لا يوجب جريان البراءة مع العلم الإجمالي. قلت : المعلوم إجمالا وجود التكاليف الواقعيّة في الوقائع التي يقدر (١٨٨٧) على الوصول إلى مداركها ، وإذا تفحّص وعجز عن الوصول إلى مدارك الواقعة خرجت تلك الواقعة عن الوقائع التي علم إجمالا بوجود التكاليف فيها ، فيرجع فيها إلى البراءة.
______________________________________________________
١٨٨٧. لا بدّ حينئذ إمّا من دعوى كون الأخبار المندرسة ـ التي هي أضعاف ما بأيدينا من الأخبار ـ واردة في القصص والحكايات والسنن والمكروهات ، وإمّا من دعوى كونها مؤكّدة لما بأيدينا إن كانت متضمّنة للأحكام الإلزاميّة كلّا أو بعضا ، وهما كما ترى. ومن هنا قد ادّعي كون دعوى الاختصاص الآتية مجازفة ، فإنّها مبنيّة على ما ذكرناه.
فإن قلت : إنّ دعوى اشتمال الأخبار المنطمسة على جملة من الأحكام الإلزاميّة سوى ما بأيدينا اليوم أيضا مجازفة ؛ إذ لا سبيل لنا إلى هذا العلم.
قلت : نعم ، إلّا أنّا ندّعي اندراج الأخبار المندرسة في أطراف العلم الإجمالي المدّعى ، لا كونها موردا له بالاستقلال. والحاصل : أنّا لا ندّعي علمين إجماليّين ، أحدهما متعلّق بالأخبار المندرسة ، والآخر بالأخبار التي بأيدينا ، بل ندّعي حصول العلم الإجمالي بوجود أحكام إلزاميّة في مجموع ما صدر عن الأئمّة المعصومين عليهمالسلام ، بحيث لا تختصّ أطرافه بما بأيدينا اليوم من الأخبار.
وأنت خبير بأنّ هذا الوجه وإن كان متّجها ، إلّا أنّه ينافي ما ذكره في
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : «فإن قلت : إذا علم المكلّف بعدّة امور من الواجبات والمحرّمات يحتمل انحصار التكليف فيها ، كان الشكّ بالنسبة إلى مجهولاته شكّا في أصل التكليف.
وبتقرير آخر : إن كان استعلام جملة من الواجبات والمحرّمات تفصيلا موجبا لكون الشكّ في الباقي شكّا في أصل التكليف ، فلا مقتضي لوجوب الفحص وعدم الرجوع إلى البراءة ؛ وإلّا لم يجز الرجوع إلى البراءة ولو بعد الفحص ؛ إذ الشكّ في المكلّف به لا يرجع فيه إلى البراءة ولو بذل الجهد في الفحص وطلب الحكم الواقعي».