وكيف كان فالأولى ما ذكر في الوجه الرابع من أنّ العقل لا يعذر الجاهل القادر على الفحص ، كما لا يعذر الجاهل بالمكلّف به العالم به إجمالا. ومناط عدم المعذوريّة في المقامين هو عدم قبح مؤاخذة الجاهل فيهما ، فاحتمال الضرر بارتكاب الشبهة غير مندفع بما يأمن معه من ترتّب الضرر. ألا ترى أنّهم حكموا باستقلال العقل بوجوب النظر في معجزة مدّعي النبوّة وعدم معذوريّته في تركه ، مستندين في ذلك إلى وجوب دفع الضرر المحتمل ، لا إلى أنّه شكّ (١٨٩٠) في المكلّف به. هذا كلّه ، مع أنّ في الوجه الأوّل وهو الإجماع القطعي كفاية. ثمّ إنّ في حكم أصل البراءة كلّ أصل عملي (١٨٩١) خالف الاحتياط.
بقي الكلام في حكم الأخذ بالبراءة مع ترك الفحص (١٨٩٢) والكلام فيه
______________________________________________________
وأشار المصنّف رحمهالله بالأمر بالتأمّل ـ وبالمراجعة إلى ما ذكره في الردّ على استدلال الأخباريّين ـ إلى ما ذكره هناك أوّلا : من منع كون العلم الإجمالي بأحكام جميع الوقائع موجبا للفحص في العمل بأصالة البراءة عن مدارك جميعها ، لعدم ثبوت التكليف بالواقع على ما هو عليه ، بل به على حسب تأدية الطرق المتمكّن من الوصول إليها ، لوضوح عدم وجوب الفحص عمّا لم يثبت التكليف به. وثانيا : من كون قيام الأدلّة الاجتهاديّة على جملة من أطراف العلم الإجمالي موجبا لارتفاعه عمّا لم تقم عليه. وأنت خبير بأنّا قد علّقنا على ردّ الاستدلال المذكور هناك ما يزيّف الأوّل ويصحّح الثاني ، ويوضحه بما لا مزيد عليه.
١٨٩٠. لوضوح كون الشكّ فيه في التكليف ـ وهو وجوب النظر ـ دون المكلّف به. والوجه في عدم جواز التمسّك فيه بأصالة البراءة مع كون الشكّ فيه في التكليف ، ما أشرنا إليه ـ عند بيان وجه التأمّل الذي أمر به عند تقرير الدليل الرابع على وجوب الفحص ـ من استلزامه لإفحام الأنبياء.
١٨٩١. جار في الشبهة الحكميّة ، كالاستصحاب في الجملة ، وقاعدة الطهارة كذلك.
١٨٩٢. بناء على وجوبه.