المدقّقين أنّه قول بالعقاب على ترك المقدّمة دون ذي المقدّمة. ويمكن توجيه كلامه : بإرادة استحقاق عقاب ذي المقدّمة حين ترك المقدّمة ، فإنّ من شرب العصير العنبيّ غير ملتفت حين الشرب إلى احتمال كونه حراما ، قبح توجّه النهي إليه في هذا الزمان ؛ لغفلته ، وإنّما يعاقب على النهي الموجّه إليه قبل ذلك حين التفت إلى أنّ في الشريعة تكاليف لا يمكن امتثالها إلّا بعد معرفتها ، فإذا ترك المعرفة عوقب عليه من حيث إفضائه إلى مخالفة تلك التكاليف ، ففي زمان الارتكاب لا تكليف ؛ لانقطاع التكليف حين ترك المقدّمة وهي المعرفة. ونظيره من ترك قطع المسافة في آخر أزمنة الإمكان ؛ حيث إنّه يستحقّ أن يعاقب عليه لإفضائه إلى ترك أفعال الحجّ في أيّامها ، ولا يتوقّف استحقاق عقابه على حضور أيّام الحجّ وأفعاله. وحينئذ فإن أراد المشهور توجّه النهي إلى الغافل حين غفلته ، فلا ريب في قبحه.
وإن أرادوا استحقاق العقاب على المخالفة وإن لم يتوجّه إليه نهي وقت المخالفة : فإن أرادوا أنّ الاستحقاق على المخالفة وقت المخالفة لا قبلها ؛ لعدم تحقّق معصية ، ففيه أنّه لا وجه لترقّب حضور زمان المخالفة ؛ لصيرورة الفعل مستحيل الوقوع لأجل ترك المقدّمة مضافا إلى شهادة العقلاء قاطبة بحسن مؤاخذة من رمى سهما لا يصيب زيدا ولا يقتله إلّا بعد مدّة مديدة بمجرّد الرمي.
وإن أرادوا استحقاق العقاب في زمان ترك المعرفة على ما يحصل بعد من المخالفة ، فهو حسن لا محيص عنه. هذا ، ولكن بعض كلماتهم ظاهرة في الوجه الأول ، وهو توجّه النهي إلى الجاهل (١٩٠٢) حين عدم التفاته ؛ فإنّهم يحكمون بفساد الصلاة في المغصوب جاهلا بالحكم ؛ لأنّ الجاهل كالعامد وأنّ التحريم لا يتوقّف على العلم به (١٣) ، ولو لا توجّه النهي إليه حين المخالفة لم يكن وجه لبطلان الصلاة ، بل كان كناسي الغصبيّة.
______________________________________________________
١٩٠٢. حاصله : أنّ شرطيّة شيء في عبادة إذا نشأت من النهي ، كإباحة المكان الناشئ شرطيّته من عدم جواز اجتماع الأمر والنهي ، فمقتضى قضيّة عدم توجّه النهي حين الجهل به هو انتفاء الشرطيّة أيضا ، والحكم بصحّة الصلاة حين