.................................................................................................
______________________________________________________
وأمّا الأوّل فيرد عليه أنّ المقتضي لجواز الرجوع إلى أصالة البراءة ليس مجرّد الجهل بالواقع ، بل هو بعد الفحص وعدم وجدان الدليل الناقل. فمجرّد الجهل مع العجز عن الفحص لا يوجب الرجوع إليها في حكم العقل ، لعدم صلوحه للعذر عنده ، مع أنّه قد يتردّد الأمر بين المتباينين كالظهر والجمعة ، وهو ليس بمورد للبراءة. مضافا إلى ما ذكر في الوجه الثالث من قضيّة العلم الإجمالي. نعم ، يدفعه عدم اختصاص محلّ الكلام بذلك ، لكونه أعمّ منه وممّا ثبت جميع أبواب الفقه إلّا مسألة واحدة ، وقصرت يد المكلّف عن الفحص فيها.
ويرد على ما عدا الأخير من الوجوه المذكورة أيضا : أنّ العمل بالاصول ـ سواء كانت هي البراءة أو الاحتياط أو غيرهما ـ إنّما هو فيما لم يقم دليل على تعيين أحد طرفي الشبهة ، ولذا لا يجب الاحتياط في الشبهة المحصورة مع قيام البيّنة على نجاسة أحد طرفيها أو طهارته. وقد عرفت وجود الأدلّة على وجوب رجوع الجاهل إلى العالم ، والمراد بوجوب التقليد عليه وجوبه تخييرا بينه وبين العمل بالاحتياط ، لا وجوبه تعيينا ، إذ هذا الجاهل لا يقصر عن سائر الجهّال الذين قلنا بجواز ترك طريقي الاجتهاد والتقليد لهم ، وجواز الأخذ بالاحتياط.
ومن هنا يسقط ما سمعناه من بعض مشايخنا مذاكرة من التفصيل بين ما لو قلنا بوجوب التقليد للأدلّة الخاصّة ، وبين ما لو قلنا بوجوبه من باب الاضطرار ، وعدم وجود طريق أقرب إلى الواقع منه للعامّي ، كما قيل بجواز تقليد الأموات والمجتهد الفاسق مع عدم وجود المجتهد العادل الحيّ ، نظرا إلى إمكان منع وجوب التقليد على الثاني في محلّ الفرض ، إذ الحاكم بجواز التقليد حينئذ هو العقل ، وهو حينئذ لا يحكم بوجوبه تعيينا. نعم ، ظاهر الفقهاء هو تقديم التقليد على الاحتياط ، كما يظهر من فتواهم بوجوب تقليد الأموات والمجتهد الفاسق مع عدم وجود العادل الحيّ. ووجه الضعف واضح ممّا ذكرناه. ووجه عدم تجويز المشهور للعمل بالاحتياط إن ثبت ، إنّما هو لأجل بطلان عمل تارك طريقي الاجتهاد والتقليد عندهم.