بل حقّقنا في مباحث الاجتهاد والتقليد : أنّ الفعل الصادر من المجتهد أو المقلّد أيضا باق على حكمه الواقعي ، فإذا لحقه اجتهاد مخالف للسابق كان كاشفا عن حاله حين الصدور ، فيعمل بمقتضى ما انكشف خلافا لجماعة (١٧) حيث تخيّلوا أنّ الفعل الصادر عن الاجتهاد أو التقليد إذا كان مبنيّا على الدوام واستمرار الآثار ـ كالزوجيّة والملكيّة ـ لا يؤثّر فيه الاجتهاد اللاحق. وتمام الكلام في محلّه (١٩٢٢).
وربما يتوهّم الفساد في معاملة الجاهل من حيث الشكّ في ترتّب الأثر على ما يوقعه ، فلا يتأتّى منه قصد الإنشاء في العقود والإيقاعات. وفيه : أنّ قصد الإنشاء إنّما يحصل بقصد تحقّق مضمون الصيغة ـ وهو الانتقال في البيع والزوجيّة في النكاح ـ ، وهذا يحصل مع القطع بالفساد شرعا فضلا عن الشكّ فيه ؛ ألا ترى أنّ الناس يقصدون التمليك في القمار وبيع المغصوب وغيرهما من البيوع الفاسدة.
وممّا ذكرنا يظهر : أنّه لا فرق في صحّة معاملة الجاهل مع (*) انكشافها بعد العقد ، بين شكّه في الصحّة حين صدورها وبين قطعه بفسادها ، فافهم.
هذا كلّه حال المعاملات. وأمّا العبادات فملخّص الكلام فيها : أنّه إذا أوقع الجاهل عبادة عمل فيها بما يقتضيه البراءة ، كأن صلّى بدون السورة ، فإن كان حين العمل متزلزلا في صحّة عمله بانيا على الاقتصار عليه في الامتثال ، فلا إشكال في الفساد وإن انكشف الصحّة بعد ذلك ، بلا خلاف في ذلك ظاهرا ؛ لعدم تحقّق نيّة القربة ؛ لأنّ الشاكّ في كون المأتيّ به موافقا للمأمور به كيف يتقرّب به؟
وما يرى من الحكم بالصحّة فيما شكّ في صدور الأمر به على تقدير صدوره ، كبعض الصلوات والأغسال التي لم يرد بها نصّ معتبر وإعادة بعض العبادات الصحيحة ظاهرا من باب الاحتياط ، فلا يشبه ما نحن فيه ؛ لأنّ الأمر على تقدير وجوده هناك لا يمكن قصد امتثاله إلّا بهذا النحو ، فهو أقصى ما يمكن هناك من الامتثال ، بخلاف ما نحن فيه حيث يقطع بوجود أمر من الشارع ، فإنّ امتثاله لا يكون
______________________________________________________
١٩٢٢. قد استوفينا الكلام في ذلك في مبحث الإجزاء بما لا مزيد عليه.
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «مع» ، من حين.