إلّا بإتيان ما يعلم مطابقته له وإتيان ما يحتمله ـ لاحتمال مطابقته له ـ لا يعدّ إطاعة عرفا. وبالجملة : فقصد التقرّب شرط في صحّة العبادة إجماعا ـ نصّا وفتوى ـ وهو لا يتحقّق مع الشكّ في كون العمل مقرّبا.
وأمّا قصد التقرّب في الموارد المذكورة من الاحتياط ، فهو غير ممكن على وجه الجزم ، والجزم فيه غير معتبر إجماعا ؛ إذ لولاه لم يتحقّق احتياط في كثير من الموارد مع رجحان الاحتياط فيها إجماعا. وكيف كان : فالعامل بما يقتضيه البراءة مع الشكّ حين العمل ، لا يصحّ عبادته وإن انكشف مطابقته للواقع.
أمّا لو غفل عن ذلك أو سكن فيه إلى قول (*) من يسكن إليه ـ من أبويه وأمثالهما ـ فعمل باعتقاد التقرّب ، فهو خارج عن محلّ كلامنا الذي هو في عمل الجاهل الشاكّ قبل الفحص بما يقتضيه البراءة ؛ إذ مجرى البراءة في الشاكّ دون الغافل ومعتقد الخلاف. وعلى أيّ حال فالأقوى صحّته إذا انكشف مطابقته للواقع ؛ إذ لا يعتبر في العبادة إلّا إتيان المأمور به على قصد التقرّب ، والمفروض حصوله.
والعلم بمطابقته للواقع أو الظنّ بها من طريق معتبر شرعيّ غير معتبر في صحّة العبادة ؛ لعدم الدليل ؛ فإنّ أدلّة وجوب رجوع المجتهد إلى الأدلّة ورجوع المقلّد إلى المجتهد إنّما هي لبيان الطرق الشرعيّة التي لا يقدح مع موافقتها مخالفة الواقع ، لا لبيان اشتراط كون الواقع مأخوذا من هذه الطرق ، كما لا يخفى على من لاحظها. ثمّ إنّ مرآة مطابقة (١٩٢٣) العمل الصادر للواقع : العلم بها أو الطريق الذي يرجع إليه المجتهد أو المقلّد.
وتوهّم : أنّ ظنّ المجتهد أو (**) فتواه لا يؤثّر في الواقعة السابقة غلط ؛ لأنّ مؤدّى ظنّه نفس الحكم الشرعيّ الثابت للأعمال الماضية والمستقبلة.
وأمّا ترتيب الأثر على الفعل الماضي فهو بعد الرجوع ؛ فإنّ فتوى المجتهد بعدم
______________________________________________________
١٩٢٣. لا يخفى أنّ الوجوه الأربعة المذكورة في الأمر الأوّل آتية هنا أيضا.
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «قول» ، فعل.
(**) في بعض النسخ : بدل «و» ، وفتواه.