كلمات العلماء : عدم وجوب الفحص أيضا ، وهو مقتضى حكم العقلاء في بعض الموارد ، مثل قول المولى لعبده : «أكرم العلماء أو المؤمنين» ، فإنّه لا يجب الفحص في المشكوك حاله في المثالين ، إلّا أنّه قد يتراءى : أنّ بناء العقلاء في بعض الموارد على الفحص والاحتياط ، كما إذا أمر المولى بإحضار علماء البلد أو أطبّائها أو إضافتهم أو إعطاء كلّ واحد منهم دينارا ، فإنّه قد يدّعى أنّ بنائهم على الفحص عن أولئك وعدم الاقتصار على المعلوم ابتداء مع احتمال وجود غيرهم في البلد.
قال في المعالم في مقام الاستدلال على وجوب التبيّن في خبر مجهول الحال بآية التثبّت في خبر الفاسق : إنّ وجوب التثبّت فيها متعلّق بنفس الوصف ، لا بما تقدّم العلم به منه ، ومقتضى ذلك إرادة الفحص والبحث عن حصوله وعدمه ؛ ألا ترى أنّ قول القائل : «أعط كلّ بالغ رشيد من هذه الجماعة مثلا درهما» يقتضي إرادة السؤال والفحص عمّن جمع الوصفين ، لا الاقتصار على من سبق العلم باجتماعهما فيه (١٨) ، انتهى.
وأيّد ذلك المحقّق القمّي قدسسره في القوانين : ب «أنّ الواجبات المشروطة بوجود شىء إنّما يتوقّف وجوبها على وجود الشرط لا على العلم بوجوده ، فبالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط. مثل : أنّ من شكّ في كون ماله بمقدار استطاعة الحجّ لعدم علمه بمقدار المال لا يمكنه أن يقول : إنّي لا أعلم أنّي مستطيع ولا يجب عليّ شيء ، بل يجب عليه محاسبة ماله ؛ ليعلم أنّه واجد للاستطاعة أو فاقد لها. نعم ، لو شكّ بعد المحاسبة في أنّ هذا المال هل يكفيه في الاستطاعة أم لا؟ فالأصل عدم الوجوب حينئذ» (١٩). ثمّ ذكر المثال المذكور في المعالم بالتقريب المتقدّم عنه.
وأمّا كلمات الفقهاء فمختلفة في فروع هذه المسألة : فقد أفتى جماعة منهم ـ كالشيخ (٢٠) والفاضلين وغيرهم ـ بأنّه لو كان له فضّة مغشوشة بغيرها وعلم بلوغ الخالص نصابا وشكّ في مقداره ، وجب التصفية ؛ ليحصل العلم بالمقدار أو الاحتياط بإخراج ما يتيقّن معه البراءة.
نعم ، استشكل في التحرير في وجوب ذلك (٢١) ، وصرّح غير واحد من هؤلاء مع عدم العلم ببلوغ الخالص النصاب بأنّه لا يجب التصفية. والفرق بين المسألتين