ثمّ الذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص : أنّه إذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقّف كثيرا على الفحص بحيث لو اهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا ، تعيّن هنا بحكم العقلاء اعتبار الفحص ثمّ العمل بالبراءة ، كبعض الأمثلة المتقدّمة ؛ فإنّ إضافة جميع علماء البلد أو أطبّائهم لا يمكن للشخص الجاهل إلّا بالفحص ، فإذا حصّل العلم ببعض واقتصر على ذلك ـ نافيا لوجوب إضافة من عداه بأصالة البراءة من غير تفحّص زائد على ما حصل به المعلومين ـ عدّ مستحقّا للعقاب والملامة عند انكشاف ترك إضافة من تمكّن من تحصيل العلم به بفحص زائد.
ومن هنا يمكن أن يقال في مثال الحجّ المتقدّم : إنّ العلم بالاستطاعة في أوّل أزمنة حصولها يتوقّف غالبا على المحاسبة ، فلو بني الأمر على تركها ونفي وجوب الحجّ بأصالة البراءة ، لزم تأخير الحجّ عن أوّل سنة الاستطاعة بالنسبة إلى كثير من الأشخاص ، لكنّ الشأن في صدق (١٩٥١) هذه الدعوى.
______________________________________________________
ولو صحّ هذا لجرى في الشبهة التحريمية الموضوعيّة أيضا ، إذ مع تردّد مائع بين كونه خمرا أو خلّا يمكن أن يقال : إنّ الحلّية مشروطة بكون هذا الشيء خلّا ، فلا بدّ من الاحتياط حتّى يحصل القطع بالبراءة. بل من جهة أنّ الآية مسوقة لبيان شرطيّة العدالة في حجّية خبر الواحد ، وكون التبيّن حينئذ شرطا في جواز العمل بخبر الفاسق. ومرجعه إلى اشتراط قبول الخبر في نفسه من دون تبيّن بعدالة المخبر ، وعدم جواز العمل به مع فسقه إلّا بشرط التبيّن عن حاله. وحينئذ فمع الشكّ في العدالة يحصل الشكّ في الحجّية ، ومع الشكّ فيها فالعقل يستقلّ بعدمها ، كما يستقلّ به مع الشكّ فيها ابتداء ، كما إذا شكّ في حجّية خبر الواحد مطلقا مع القطع بعدم اشتراط حجّيته بشيء في الواقع على تقدير حجّيته كذلك ، فالشكّ في الحجّية ليس بمورد لأصالة البراءة مطلقا ، وإن قلنا بها في سائر موارد الشبهة الموضوعيّة. وقد نبّه المصنّف رحمهالله على مثله عند الردّ على من تمسّك بأصالة الإباحة لإثبات حجّية الظنّ.
١٩٥١. لأنّ الغالب حصول العلم بالموضوع وجودا أو عدما من دون فحص