وأمّا ما استند إليه المحقّق المتقدّم من أنّ الواجبات المشروطة يتوقّف وجوبها على وجود الشرط لا العلم بوجوده ، ففيه : أنّه مسلّم ولا يجدي (١٩٥٢) ؛ لأنّ الشكّ في وجود الشرط يوجب الشكّ في وجوب المشروط وثبوت التكليف ، والأصل عدمه. غاية الأمر الفرق بين اشتراط التكليف بوجود الشيء واشتراطه بالعلم به ؛ إذ مع عدم العلم في الصورة الثانية يقطع بانتفاء التكليف (*) من دون حاجة إلى الأصل ، وفي الصورة الاولى يشكّ فيه ، فينفي بالأصل.
وأمّا الكلام في مقدار الفحص ، فملخّصه : أنّ حدّ الفحص (١٩٥٣) هو اليأس عن وجدان الدليل فيما بأيدينا من الأدلّة ويختلف ذلك باختلاف الأعصار ؛ فإنّ في زماننا هذا إذا ظنّ المجتهد بعدم وجود دليل التكليف في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتبرة في الحديث ـ التي يسهل تناولها على نوع أهل العصر ـ على وجه صار مأيوسا ، كفى ذلك منه في إجراء البراءة.
______________________________________________________
واحتياج إليه ، فلا تلزم المخالفة الكثيرة حينئذ بالعمل بأصالة البراءة في الموارد الباقية المشكوك فيها.
١٩٥٢. لأنّ الأمر بالشيء إنّما يقتضي إيجاب ما لا يتمّ الواجب إلّا به أعني : المقدّمات الوجوديّة للمأمور به ، والعلم بوجود شرط الوجوب ليس من قبيلها ، ولذا يصحّ الحجّ من الجاهل بالاستطاعة. فتسليم توقّف وجوب الفعل على شرط وجوبه دون العلم به مسلّم إلّا أنّه غير مجد في شيء ، لأنّ عدم توقّف الوجوب على العلم بشرط الوجوب لا يستلزم تحصيل العلم بالوجوب على تقدير وجود الشرط في الواقع ، لما عرفت من عدم كونه من المقدّمات الوجوديّة للمأمور به. وغاية الأمر احتمال تحقّق وجود الشرط ، فيحتمل وجوب الفعل لأجل ذلك ، لكنّه ينفى بالأصل كما أفاده المصنف رحمهالله.
١٩٥٣. لا يخفى أنّ في مقدار الفحص وجوها :
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : واقعا.