نعم ، لو كان جميع مقدّماته ممّا يرتضيها هذا المجتهد وكان التفاوت بينهما أنّه اطّلع على ما لم يطّلع هذا ، أمكن أن يكون قوله حجّة (١٩٥٤) في حقّه ، لكنّ اللازم حينئذ (١٩٥٥) أن يتفحّص في جميع المسائل إلى حيث يحصل الظنّ بعدم وجود دليل التكليف ، ثمّ الرجوع إلى هذا المجتهد ، فإن كان مذهبه مطابقا للبراءة كان مؤيّدا لما ظنّه من عدم الدليل وإن كان مذهبه مخالفا للبراءة كان شاهد عدل على وجود دليل التكليف. فإن لم يحتمل في حقّه الاعتماد على الاستنباطات الحدسيّة والعقليّة من الأخبار ، أخذ بقوله في وجود دليل ، وجعل فتواه كروايته.
ومن هذا القبيل ما حكاه غير واحد (٢٣) من أنّ القدماء كانوا يعملون برسالة الشيخ أبي الحسن عليّ بن بابويه عند إعواز النصوص. والتقييد بإعواز النصوص مبنيّ على ترجيح النصّ المنقول بلفظه على الفتوى التي يحتمل الخطأ في النقل بالمعنى. وإن احتمل في حقّه ابتناء فتواه على الحدس والعقل ، لم يكن دليل على اعتباره في حقّه وتعيّن العمل بالبراءة.
______________________________________________________
المقام. اللهمّ إلّا أن يدّعى كون اعتبار الظنّ الأقوى ـ أعني : الاطمئنان والوثوق بالعدم ـ موجبا لتعطيل أكثر الأحكام ، نظير ما عرفته في اعتبار العلم ، وهو غير بعيد.
١٩٥٤. من باب الرواية دون التقليد المصطلح ، كما يظهر ممّا ذكره في المقام.
١٩٥٥. لأنّ جواز التقليد بالمعنى المتقدّم في الحاشية السابقة إنّما هو من باب الاضطرار ، والمتيقّن منه هي صورة حصول الظنّ بعدم الدليل بعد الفحص. وأنت خبير بإمكان منع جواز التقليد بالمعنى المذكور على هذا التقدير أيضا ، لأنّ اعتبار العلم بالعدم إن كان موجبا لتعطيل الأحكام التي كان الاحتياط فيها موجبا للعسر كما هو الفرض ، كان ذلك كاشفا عن انسداد باب العلم في غالب الأحكام ، وكان اللازم حينئذ الاقتصار في إثبات الأحكام والفحص عن أدلّتها على الظنّ لا التقليد في الموارد المذكورة ، وذلك لأنّ المدار في انفتاح باب العلم ـ على ما صرّح به المصنّف رحمهالله في مباحث الظنّ ـ إمكان تحصيل جملة من الأدلّة وافية بأغلب