الحكم الظاهري الثابت بالأصل موضوعا لذلك الحكم الآخر ، كما ذكرنا في مثال براءة الذمّة عن الدين والحجّ. وسيجيء توضيح ذلك في باب تعارض الاستصحابين.
وإن اريد بإعماله في أحدهما مجرّد نفيه دون الإثبات ، فهو جار ، إلّا أنّه معارض بجريانه في الآخر ، فاللازم إمّا إجرائه فيهما ، فيلزم طرح ذلك العلم الإجمالي لأجل العمل بالأصل ، وإمّا إهماله فيهما ، فهو المطلوب ، وإمّا إعمال أحدهما بالخصوص ، فترجيح بلا مرجّح. نعم ، لو لم يكن العلم الإجمالي في المقام ممّا يضرّ طرحه لزم العمل بهما ، كما تقدّم أنّه أحد الوجهين فيما إذا دار الأمر بين الوجوب والتحريم.
وكيف كان : فسقوط العمل بالأصل في المقام لأجل المعارض ، ولا اختصاص لهذا الشرط بأصل البراءة بل يجري في غيره من الاصول والأدلّة. ولعلّ مقصود (١٩٦٣) صاحب الوافية ذلك ، وقد عبّر هو قدسسره عن هذا الشرط في باب الاستصحاب بعدم المعارض (٢٤).
وأمّا أصالة عدم بلوغ (١٩٦٤) الماء الملاقي للنجاسة كرّا ، فقد عرفت : أنّه لا مانع من استلزام جريانها الحكم بنجاسة الملاقي ؛ فإنّه نظير أصالة البراءة من الدين المستلزم لوجوب الحجّ. وقد فرّق بينهما المحقّق القمّي رحمهالله ، حيث اعترف : بأنّه لا مانع من إجراء البراءة في الدين وإن استلزم وجوب الحجّ ، ولم يحكم بنجاسة الماء مع جريان أصالة عدم الكريّة ؛ جمعا بينها وبين أصالة طهارة الماء (٢٥). ولم يعرف وجه فرق بينهما أصلا.
______________________________________________________
نعم ، ينطبق ذلك على ما دار الأمر فيه بين الوجوب والحرمة. اللهمّ إلّا أن يريد بالحكمين في مثل الإناءين المشتبهين حرمة شربهما المعلوم ثبوت أحدهما إجمالا. ولو قال : بثبوت حكم مردّد بين حكمين ، أو ثبوت حكم مردّد بين موضوعين ، كان أولى.
١٩٦٣. قد تقدّم عند شرح عنوان هذا الشرط صراحة كلام صاحب الوافية في عدم الاختصاص.
١٩٦٤. قد تقدّم ذلك ، لكنّه أعاد هنا تمهيدا لبيان ما يرد على المحقق القمي رحمهالله.