ثمّ فصّل المعترض بين أقسام التصرّف : بأنّه إن قصد به الإضرار من دون أن يترتّب عليه جلب نفع أو دفع ضرر ، فلا ريب في أنّه يمنع ، كما دلّ عليه خبر سمرة بن جندب ؛ حيث قال له النبيّ صلىاللهعليهوآله : «إنّك رجل مضارّ». وأمّا إذا ترتّب عليه نفع أو دفع ضرر وعلى جاره ضرر يسير ، فإنّه جائز قطعا ، وعليه بنوا جواز رفع الجدار على سطح الجار.
وأمّا إذا كان ضرر الجار كثيرا يتحمّل عادة ، فإنّه جائز على كراهيّة شديدة ، وعليه بنوا كراهيّة التولّي من قبل الجائر لدفع ضرر يصيبه. وأمّا إذا كان ضرر الجار كثيرا لا يتحمّل عادة لنفع يصيبه ، فإنّه لا يجوز له ذلك ، وعليه بنوا حرمة الاحتكار في مثل ذلك. وعليه بنى جماعة ـ كالفاضل في التحرير (١١) والشهيد في اللمعة ـ الضمان إذا أجّج نارا بقدر حاجته مع ظنّه التعدّي إلى الغير. وأمّا إذا كان ضرره كثيرا وضرر جاره كذلك ، فإنّه يجوز له دفع ضرره وإن تضرّر جاره أو أخوه المسلم ، وعليه بنوا جواز الولاية من قبل الجائر ـ إلى أن قال ـ :
والحاصل : أنّ أخبار الإضرار فيما يعدّ إضرارا معتدّا به عرفا والحال أنّه لا ضرر بذلك على المضرّ ؛ لأنّ الضرر لا يزال (٢٠٠٣) بالضرر (١٢) ، انتهى.
أقول : الأوفق بالقواعد تقديم المالك (٢٠٠٤) ؛ لأنّ حجر المالك عن التصرّف في ماله ضرر يعارض ضرر الغير ، فيرجع إلى عموم قاعدة «السلطنة» و «نفي الحرج».
______________________________________________________
٢٠٠٣. يعني : أنّ مورد أخبار نفي الضرر هو ما ذكر من كون الضرر على الغير بما يعتدّ به مع عدم الضرر على المضرّ في ترك الفعل ، بل لو فرض إطلاقها لا بدّ من حملها على ذلك ، لأنّ الضرر المتوجّه إلى الغير لا ينبغي أن ينفى بتحمّل الضرر على نفسه.
٢٠٠٤. تحقيق المقام يحتاج إلى بسط في الكلام ، لتنكشف به غواشي الأوهام ، فنقول : إنّ الظاهر أنّ المشهور هنا تقديم جانب المالك ، وقد أورد المصنّف رحمهالله في رسالته المفردة في هذه القاعدة شطرا من كلماتهم ، فلا بأس بنقله ثمّ تعقيبه بما يقتضيه المقام.