.................................................................................................
______________________________________________________
لا ولو اريد تداركه في الآخرة انقلب التكليف في موارد الضرر إلى استحباب الإضرار بالمسلمين ، لكونه سببا للأجر الاخروي بإزاء ما دخله من الضرر ، وهو خير من الدنيا وما فيها. مع أنّ ملاحظة الأخبار المتقدّمة سابقا الواردة في بيان هذه القاعدة تعطي خلاف ذلك ، ولذا أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله في قصّة سمرة بقلع عذقه ، وقال : إنّك رجل مضارّ ، وكذا الصادق عليهالسلام حكم بالشفعة لنفي الضرر العائد إلى الشفيع ، وكذلك في رواية هارون بن حمزة قد حكم لمعطي الدرهمين بخمس ما بلغ من القيمة لنفي الضرر ، فلم يحكم في شيء من هذه الأخبار برفع الضرر الحاصل بالثواب الاخروي والمجازاة الأبديّة.
فإن قلت : إنّ إثبات الضمان حينئذ لا يكون بمجرّد قاعدة نفي الضرر ، بل بها بضميمة ما عرفت من حصر التدارك في مال المتلف مثلا.
قلت : نعم ، وليس المقصود أيضا إثبات الضمان بقوله صلىاللهعليهوآله : «لا ضرر ولا ضرار» بدلالته اللفظية من دون مدخليّة شيء آخر أصلا ، فتدبّر.
هذا كلّه مضافا إلى أن تتّبع موارد الضمانات والغرامات الثابتة شرعا واستقرائها يعطي ثبوت الضمان على الضارّ والغارّ دون غيرهما ، وقد حكموا فيمن وطئ بهيمة الغير بضمان الواطي قيمتها ، وكذا فيمن باع أمة بدعوى الوكالة في بيعها ثمّ استولدها المشتري ثمّ تبيّن كذبه في دعوى الوكالة ، فحكموا بضمان مدّعي الوكالة للمشتري إذا رجع المالك إليه بأرش البكارة وقيمة الولد ، وهكذا في غير ذلك من موارد الضمانات والغرامات. وناهيك شاهدا بصحيحة البزنطي : «من ضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو ضامن». ومثلها ما رواه المشايخ الثلاثة. وصحيحة الكناني المتقدّمة. وهي دالّة على الضمان مع التسبيب ، ومع المباشرة بطريق أولى. هذا إن جعلت كلمة «من» فيها بمعنى «في» وإلّا فإن بقيت على ظاهرها يفيد المباشرة. نعم ، رواية الثلاثة صريحة في صورة التسبيب.
ويدلّ عليه أيضا آيات من الكتاب العزيز ، قال الله تعالى في سورة النحل :