مسألة الظهر والجمعة ، وحاصله : أنّه ينوي في كلّ منهما فعلها احتياطا لإحراز الواجب الواقعي المردّد بينها وبين صاحبها تقرّبا إلى الله ، على أن يكون القرب علّة للإحراز الذي جعل غاية للفعل.
ويترتّب على هذا أنّه لا بدّ من أن يكون حين فعل أحدهما عازما على فعل الآخر ؛ إذ النيّة المذكورة لا تتحقّق بدون ذلك ؛ فإنّ من قصد الاقتصار على أحد الفعلين ليس قاصدا لامتثال الواجب الواقعي على كلّ تقدير ، نعم هو قاصد لامتثاله على تقدير مصادفة هذا المحتمل له لا مطلقا ، وهذا غير كاف في العبادات المعلوم وقوع التعبّد بها. نعم ، لو احتمل كون الشيء عبادة ـ كغسل الجنابة إن احتمل الجنابة ـ اكتفى فيه بقصد الامتثال على تقدير تحقّق الأمر به. لكن ليس هنا تقدير آخر
______________________________________________________
باب الإرشاد لإمضاء حكم العقل ، أو من باب التعبّد مع قطع النظر عن كونه طريقا إلى امتثال الواقع. وتعيّن قصد التقرّب بالواقع المعلوم مرتّب على الأوّل ، وبكلّ من المشتبهين على الثاني. ولا يلزم من كون وجوب الاحتياط عقلا إرشاديّا كونه شرعا كذلك.
ثمّ إنّه من التأمّل فيما ذكرناه يظهر فساد ما أورده المحقّق القمّي رحمهالله على الفاضل التوني في دعواه عدم ترتّب ثمرة على النزاع في مسألة الحسن والقبح ، زاعما لورود الأمر الشرعيّ في كلّ مورد ادّعي فيه استقلال العقل بالحسن أو القبح ، لأنّه قد أورد عليه باستقلال العقل بحجيّة الظنّ في أمثال زماننا ممّا انسدّ فيه باب العلم ، مع عدم ورود أمر شرعيّ على جواز العمل به. قال : وأيّ ثمرة أعظم من هذا. وهذا كما ترى إنّما يتمّ ثمرة للنزاع لو كانت حجّية الظنّ في زمن الانسداد قابلة لورود أمر شرعيّ عليها ، وليس كذلك ، لأنّ الظنّ في صورة الانسداد كالقطع طريق اضطراري لامتثال الأحكام الواقعيّة غير قابل لجعل الشارع. وممّا ينبّه على ما ذكرناه من اختصاص مورد الملازمة بما ذكرناه أنّ الأشاعرة مع نفيهم لها قالوا بحجيّة الظنّ في صورة الانسداد ، فهو يكشف عن خروجها من مورد الملازمة.