إلى قوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [محمد : ١٩].
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) ، وليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات الآية.
وقال محمد بن جرير : هو راجع إلى قوله : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) [النصر : ١ ـ ٣] ، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك في الجاهلية قبل الرسالة ، وما تأخر إلى وقت نزول هذه السورة. وقيل : ما تأخر مما يكون ، وهذا على طريقة من يجوز الصغائر على الأنبياء وقال سفيان الثوري : ما تقدم مما عملت في الجاهلية وما تأخر كل شيء لم تعمله ، وبذكر مثل ذلك على طريق التأكيد ، كما يقال : أعطى من رآه ولم يره ، وضرب من لقيه ومن لم يلقه. وقال عطاء الخراساني : ما تقدم من ذنبك : يعني ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك ، وما تأخر ذنوب أمتك بدعوتك. (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) ، بالنبوة والحكمة ، (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) ، أي يثبتك عليه ، والمعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى الصراط المستقيم وهو الإسلام. وقيل : ويهديك أي يهدي بك.
(وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) (٣) غالبا. وقيل : معزا.
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦))
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) ، الطمأنينة والوقار ، (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) ، لئلا تنزعج نفوسهم لما يرد عليهم ، قال ابن عباس : كل سكينة في القرآن فهي بطمأنينة إلّا التي في سورة البقرة [٢٤٨] ، (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) ، قال ابن عباس : بعث الله رسوله بشهادة أن لا إله إلّا الله ، فلما صدقوه زادهم الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج ثم الجهاد ، حتى أكمل لهم دينهم ، فكلما أمروا بشيء فصدقوه ازدادوا تصديقا إلى تصديقهم. وقال الضحاك : يقينا مع يقينهم. قال الكلبي : هذا في أمر الحديبية حين صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ، (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (٧).
(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً).
وقد ذكرنا عن أنس أن الصحابة قالوا لما نزل ليغفر لك الله هنيئا مريئا فما يفعل بنا فنزل : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) الآية (١).
(وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) ، يريد أهل النفاق بالمدينة وأهل الشرك بمكة ، (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) ، أن لن ينصر [الله](٢) محمدا والمؤمنين ، (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) ، بالعذاب
__________________
(١) هو المتقدم قبل حديث واحد.
(٢) زيادة عن المخطوط.