قال : «أو مسلما» قال : فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه ، فقلت : يا رسول الله ما لك عن فلان فو الله إني لأراه مؤمنا قال : «أو مسلما» قال : فسكت قليلا ، ثم غلبني ما أعلم منه ، فقلت : يا رسول الله ما لك عن فلان فو الله إني لأراه مؤمنا قال : «أو مسلما» قال : «إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه».
فالإسلام هو الدخول إلى السلم وهو الانقياد والطاعة ، يقال : أسلم الرجل إذا دخل في السلم كما يقال : أشتى الرجل إذا دخل في الشتاء ، وأصاف إذا دخل في الصيف ، وأربع إذا دخل في الربيع ، فمن الإسلام ما هو في طاعة على الحقيقة باللسان ، والأبدان والجنان ، كقوله عزوجل لإبراهيم عليهالسلام : (أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [البقرة : ١٣١] ، ومنه ما هو انقياد باللسان دون القلب ، وذلك قوله : (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ، (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) ، ظاهرا وباطنا سرا وعلانية. قال ابن عباس تخلصوا الإيمان ، (لا يَلِتْكُمْ) قرأ أبو عمرو لا يالتكم بالألف كقوله تعالى : (وَما أَلَتْناهُمْ) [الطور : ٢١] والآخرون بغير ألف وهما لغتان معناهما لا ينقصكم ، يقال : ألت يألت ألتا ولات يليت ليتا إذا نقص ، (مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) ، أي لا ينقص من ثواب أعمالكم شيئا ، (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، ثم بين حقيقة الإيمان.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨))
فقال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) ، لم يشكوا في دينهم ، (وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) ، في إيمانهم فلما نزلت هاتان الآيتان أتت الأعراب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحلفون بالله إنهم مؤمنون صادقون ، وعرف الله غير ذلك منهم.
فأنزل الله عزوجل : (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) ، والتعليم هاهنا بمعنى الإعلام ، ولذلك قال بدينكم وأدخل الباء فيه ، يقول أتخبرون الله بدينكم الذي أنتم عليه ، (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، أي لا يحتاج إلى إخباركم.
(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) ، أي بإسلامكم ، (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) ، وفي مصحف عبد الله إذ هداكم للإيمان (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، إنكم مؤمنون.
(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (١٨) ، قرأ ابن كثير «يعملون» بالياء وقرأ الآخرون بالتاء.