وعنه أيضا لا تسأل الملائكة المجرمين لأنهم يعرفونهم بسيماهم دليله ما بعده وهذا قول مجاهد.
وعن ابن عباس في الجمع بين هذه الآية وبين قوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢)) [الحجر : ٩٢] ، قال : لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكن يسألهم لم عملتم كذا وكذا؟
وعن عكرمة أنه قال : إنها مواطن يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها.
وعن ابن عباس أيضا لا يسألون سؤال شفقة ورحمة (١) وإنما يسألون (٢) سؤال تقريع وتوبيخ.
وقال أبو العالية لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) ، وهو سواد الوجوه وزرقة العيون ، كما قال جل ذكره : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران : ١٠٦] ، (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ).
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥) وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦))
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٣) ، تجعل الأقدام مضمومة إلى النواصي من خلف ويلقون في النار.
ثم يقال لهم (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) (٤٣) ، المشركون.
(يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) (٤٤) ، قد انتهى حره ، قال الزجاج : أنى يأنى فهو آن إذا انتهى في النضج ، والمعنى : أنهم يسعون بين الجحيم والحميم فإذا استغاثوا من حر النار جعل عذابهم الحميم الآني الذي صار كالمهل ، وهو قوله : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) [الكهف : ٢٩].
وقال كعب الأحبار : آن واد من أودية جهنم يجتمع (٣) فيه صديد أهل النار فينطلق بهم في الأغلال فيغمسون في ذلك الوادي حتى تنخلع أوصالهم ثم يخرجون منه وقد أحدث الله تعالى لهم (٤) خلقا جديدا فيلقون في النار ، وذلك قوله : (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) (٤٤).
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٣) ، وكل ما ذكر الله تعالى من قوله : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (٢٦) [الرحمن : ٢٦] إلى هاهنا مواعظ وزواجر وتخويف ، وكل ذلك نعمة من الله تعالى لأنها تزجر عن المعاصي ، ولذلك ختم كل آية بقوله (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٣) ، ثم ذكر ما أعده لمن اتقاه وخافه.
فقال : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) ، أي مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية والشهوة. وقيل : قيام ربه عليه بيانه قوله : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الرعد : ٣٣] وقال إبراهيم النخعي ومجاهد : هو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من مخافة الله. وقوله : (جَنَّتانِ) قال مقاتل جنة عدن وجنة نعيم قال محمد بن علي الترمذي : جنة لخوفه ربه وجنة لتركه شهوته.
قال الضحاك : هذا لمن راقب الله في السر والعلانية بعلمه ما عرض له من محرم تركه من خشية الله وما عمل من خير أفضى به إلى الله لا يحب أن يطلع عليه أحد.
__________________
(١) في المخطوط (ب): «شفقة وراحة» والمثبت عن المخطوط (أ) وط.
(٢) في المطبوع «يسألون» والمثبت عن المخطوط (ب) وط.
(٣) في المخطوط (ب) «يجمع» والمثبت عن ط والمخطوط (أ)
(٤) في المطبوع «بهم» والمثبت عن المخطوط.