المسدس ، كيلا يضيق المكان على رفقائها ، لأنها تزدحم في موضع واحد على كثرتها ، ولو بنت البيوت مستديرة لبقي خارج المستديرات فرج ضائعة ، فإن الدوائر لا تراصّ ، وكذلك سائر الأشكال ، وأما المربعات فتراصّ ، ولكن شكل النحل يميل إلى الاستدارة فيبقى داخل البيت زوايا ضائعة ، كما يبقى في المستدير خارج البيت فرج ضائعة ، فلا شكل من الأشكال يقرب من المستدير في التّراصّ غير المسدس ، وذلك يعرف بالبرهان الهندسي. فانظر كيف هداه الله خاصيّة هذا الشكل ، وهذا أنموذج من عجائب صنع الله ولطفه ورحمته بخلقه ، فإن الأدنى بيّنة على الأعلى ؛ وهذه الغرائب لا يمكن أن تستقصى في أعمار طويلة ، أعني ما انكشف للآدميّين منها ، وأنه ليسير بالاضافة إلى ما لا ينكشف واستأثر هو والملائكة بعلمه ، وربما تجد تلويحات من هذا الجنس في كتاب «الشكر» وكتاب «المحبة» ؛ فاطلبه إن كنت له أهلا ، وإلا فغضّ بصرك عن آثار رحمة الله ، ولا تنظر إليها ، ولا تسرح في ميدان معرفة الصنع ولا تتفرّج فيه ، واشتغل بأشعار المتنبي ، وغرائب النّحو لسيبويه ، وفروع ابن الحداد في نوادر الطلاق ، وحيل المجادلة في الكلام ، فذلك أليق بك ، فإن قيمتك على قدر همّتك (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ)(١) و (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ)(٢) ولنرجع إلى الغرض ، والمقصود التنبيه على أنموذج من رحمة في خلق العالمين.
__________________
(١) الآية ٣٤ / من سورة هود.
(٢) الآية ٢ / من سورة فاطر.