رَحِيمًا (٢٩) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (٣٠) إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا (٣١) وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا
________________________________________________________
والسرقة وغير ذلك (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) استثناء منقطع ، والمعنى : لكن إن كانت تجارة فكلوها ، وفي إباحة التجارة دليل على أنه : يجوز للإنسان أن يشتري بدرهم سلعة تساوي مائة ، والمشهور إمضاء البيع. وحكي عن ابن وهب أنه يرد إذا كان الغبن أكثر من الثلث. وموضع أن نصب ، وتجارة بالرفع (١) فاعل تكون وهي تامة ، وقرئ بالنصب خبر تكون وهي ناقصة (عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) أي اتفاق. وبهذا استدل المالكية على تمام البيع وبالعقد ، دون التفرق وقال الشافعي : إنما يتم بالتفرق بالأبدان ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا» (٢).
(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) قال ابن عطية أجمع المفسرون أنّ المعنى : لا يقتل بعضكم بعضا ، قلت : ولفظها يتناول قتل الإنسان لنفسه ، وقد حملها عمرو بن العاص على ذلك ، ولم ينكره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ سمعه (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) إشارة إلى القتل ، لأنه أقرب مذكور ، وقيل : إليه وإلى أكل المال بالباطل ، وقيل : إلى كل ما تقدّم من المنهيات من أوّل السورة (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) (٣) اختلف الناس في الكبائر ما هي؟ فقال ابن عباس : الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو لعنة أو غضب ، وقال ابن مسعود : الكبائر هي الذنوب المذكورة من أول هذه السورة إلى أوّل هذه الآية ، وقال بعض العلماء : كل ما عصي الله به ، فهو كبيرة ، وعدّها بعضهم سبعة عشر ، وفي البخاري عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اتقوا السبع الموبقات : الإشراك بالله والسحر ، وقتل النفس ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات» ، فلا شك أنّ هذه من الكبائر للنص عليها في الحديث ، وزاد بعضهم عليها أشياء ، وورد في الأحاديث النص على أنها كبائر ، وورد في القرآن أو في الحديث وعيد عليها ، فمنها عقوق الوالدين ، وشهادة الزور ، واليمين الغموس والزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، والنهبة ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله ، ومنع ابن السبيل الماء والإلحاد في البيت الحرام ، والنميمة ، وترك التحرّز من البول والغلول واستطالة المرء في عرض أخيه ، والجور في الحكم (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) وعد بغفران الذنوب الصغائر إذا اجتنب الكبائر (مُدْخَلاً كَرِيماً) اسم مكان وهو هنا الجنة (وَلا تَتَمَنَّوْا) الآية : سببها أن النساء قلن : ليتنا استوينا
__________________
(١). قراءة المؤلف رحمهالله ، وفي المصحف بالنصب وهي قراءة حفص.
(٢). رواه أحمد عن ابن عمر ج أول ص : ٦٨.
(٣). ذكره المنذري ج ٣ ص ٤٨ بلفظ : اجتنبوا السبع الموبقات وعزاه للبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي عن أبي هريرة.