أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لَّا تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٤٢) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا
________________________________________________________
أي ادخلوا النار في جملة أمم أو مع أمم (ادَّارَكُوا) تلاحقوا واجتمعوا (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ) المراد بأولاهم الرؤساء والقادة ، وأخراهم الأتباع والسفلة ، والمعنى : أن أخراهم طالبوا من الله أن يضاعف العذاب لأولاهم لأنهم أضلوهم ، وليس المعنى أنهم قالوا لهم ذلك خطابا لهم ، إنما هو كقولك قال فلان لفلان كذا : أي قاله عنه وإن لم يخاطبه به (وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) أي لم يكن لكم علينا فضل في الإيمان والتقوى ، يوجب أن يكون عذابنا أشدّ من عذابكم بل : نحن وأنتم سواء (فَذُوقُوا الْعَذابَ) من قول أولاهم لأخراهم أو من قول الله تعالى لجميعهم (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) فيه ثلاثة أقوال : أحدهما : لا يصعد عملهم إلى السماء ، والثاني لا يدخلون الجنة ، فإن الجنة في السماء ، والثالث لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم إذا ماتوا كما تفتح لأرواح المؤمنين (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) أي حتى يدخل الجمل في ثقب الإبرة ، والمعنى لا يدخلون الجنة حتى يكون ما لا يكون أبدا ، فلا يدخلونها أبدا (مِهادٌ) فراش (غَواشٍ) أغطية (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) جملة اعتراض بين المبتدأ والخبر ليبين أن ما يطلب من الأعمال الصالحة ما في الوسع والطاقة (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) أي من كان في صدره غل لأخيه في الدنيا ننزعه منه في الجنة وصاروا إخوانا أحبابا ، وإنما قال : نزعنا بلفظ الماضي وهو مستقبل لتحقق وقوعه في المستقبل ، حتى عبر عنه بما يعبر عن الواقع ، وكذلك كل ما جاء بعد هذا من الأفعال الماضية في اللفظ وهي تقع في الآخرة كقوله : نادى أصحاب الجنة ، ونادى أصحاب الأعراف ، ونادى أصحاب النار ، وغير ذلك (هَدانا لِهذا) إشارة إلى الجنة أو إلى ما أوجب من الإيمان والتقوى (أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) وأن قد وجدنا ، وأن لعنة ، وأن سلام : يحتمل أن يكون أن في كل واحدة منها مخففة من الثقيلة ، فيكون فيها ضميرا أو حرف عبارة وتفسير لمعنى القول (ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا) حذف مفعول وعد استغناء عنه بمفعول وعدنا أو لإطلاق الوعد فيتناول الثواب والعقاب