أبو ذر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقيل له انه في حائط كذا وكذا ، فتوجه في طلبه فوجده نائما فأعظمه أن ينبهه ، فأراد ان يستبري نومه من يقظته فأخذ عسيبا يابسا فكسره ليسمعه صوته فسمعه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فرفع رأسه ، فقال : يا أبا ذر تخدعني أما علمت أني أرى أعمالكم في منامي كما أراكم في يقظتي ان عيني تنامان ولا ينام قلبي.
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : فأخذ عسيبا يابسا
باهمال العين المفتوحة وكسر السين المهملة وتسكين المثناة من تحت قبل الياء الموحدة ، أي جريدة من النخل مستقيمة دقيقة.
قوله (ص) : ان عينى تنامان ولا ينام قلبى
قال السيد المكرم الرضي أخو السيد المعظم المرتضى رضي الله تعالى عنهما في كتاب مجازات الحديث : ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسّلام تنام عيناي ولا ينام قلبي. وهذا القول عند المحققين من العلماء مجاز ، لأنه عليهالسلام لو كان قلبه لا ينام على الحقيقة كقلوب الناس لكان ذلك من أكبر معجزاته وأبهر آياته ، ولوجب أن تتظاهر الاخبار بنقله ، كما تظاهرت بنقل غيره من أعلامه ودلالته.
ومما يحقق قولنا ما رواه عبد الله بن عباس رحمهما الله من أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم نام ونفخ فصلى ولم يتوض ، فقيل له عليه الصلاة والسّلام في ذلك فقال : ليس الوضوء على من نام قاعدا انما الوضوء على من نام مضطجعا ، وفي بعض الروايات أو متوركا فانه اذا نام كذلك استرخت مفاصله.
فبين عليه الصلاة والسّلام أنه لو نام مضطجعا للزمه الوضوء لاسترخاء مفاصله ، فلو كان قلبه لا ينام لما وجب عليه الوضوء اذا نام مضطجعا ، كما لا يجب عليه اذا نام قاعدا ، وقد يجوز أن يكون المراد بقوله عليهالسلام : تنام عيناي ولا ينام قلبي. أنه لا يعتقد في حال نومه من الرؤيا الفاسدة والمنامات المتضادة ما يعتقده غيره من سائر البشر ، فيكون في حكم المستيقظ وبمنزلة المتحفظ (١) انتهى كلامه رفع مقامه.
__________________
(١) المجازات النبوية : ١٧٥ ـ ١٧٦