فلما استقر الشراب في جوفي كأنما نشطت من عقال ، فأتيت بابه فاستأذنت عليه ، فصوت بي : صح الجسم أدخل أدخل ، فدخلت وأنا باك فسلمت عليه وقبلت يده ورأسه ، فقال لي : وما يبكيك يا محمد؟ فقلت جعلت فداك ابكي على اغترابي وبعد الشقة وقلة المقدرة على المقام عندك والنظر إليك.
فقال لي : أما قلة المقدرة : فكذلك جعل الله اوليائنا وأهل مودتنا وجعل البلاء اليهم سريعا ، وأما ما ذكرت من الغربة : فلك بأبي عبد الله اسوة بأرض ناء عنا بالفرات.
وأما ما ذكرت من بعد الشقة : فان المؤمن في هذه الدار غريب ، وفي هذا الخلق المنكوس حتى يخرج من هذه الدار الى رحمة الله.
وأما ما ذكرت من حبك قربنا والنظر إلينا وأنك لا تقدر على ذلك : فالله يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه.
______________________________________________________
وكذلك قال في القاموس : التعالى الارتفاع اذا امرت منه قلت تعال بفتح اللام ولها تعالى (١)
قوله (ع) : فان المؤمن في هذه الدار غريب
يعنى عليهالسلام بالمؤمن العارف المستيقن ، فانه يعلم ان جوهر ذاته العاقلة من عالم الامر والفيض ، ومستوطن نفسه المجردة في اقليم الحياة والبهجة ، فهو لا محالة انما يرى طائر روحه القدسى غريبا في اقفاص هذه الدار البائدة البائرة المظلمة الموحشة ، التي هي ناحية الاقذار والاخباث وحاشية الارماس والاجداث ، ودارة غسق الطبيعة وكورة ظلمة الهيولي.
وقوله عليهالسلام « المنكوس » اما بالجر على صفة هذا الخلق ، والواو العاطفة للعطف على في هذا الدار.
أي في هذا الخلق المنكوس غريب؟ سمي هذا الخلق منكوسا لانصرافهم عن
__________________
(١) القاموس : ٤ / ٣٦٦