______________________________________________________
قلت : هذا الحديث متواتر قد تظافرت وتظاهرت طرق نقله ، وما ذكره من رواية ابن عباس خبر من باب الآحاد ولا تعويل عليه ، والعمل في المذهب من طريق أهل البيت عليهمالسلام أن مطلق النوم الغالب على الحواس ناقض للوضوء اضطجاعا كان أو قعودا.
فاما سبيل مغزاه من طريق العلوم البرهانية فهو : أنه قد أقر في مقره في العلوم الطبيعي وفي العلم الذي فوق الطبيعة أن النفس الانسانية اذا كانت منهمكة في جنبة البدن وفي غواشي عالم الطبيعة لم يكن طريقها في الرؤية الابصارية الا من سبيل الظاهر من ممر الجليدية.
وأما الانسان المتأله اذا صار أكيد العلاقة بعالم الملكوت وقوى ارتباط قوته القدسية بالجواهر النورية والأنوار العقلية ، فتهيأ له الرؤية البصرية في اليقظة وفي النوم لا من سبيل الظاهر ، بل من سبيل الباطن بانطباع الصورة في حسه المشترك واختلاس قوته المتخيلة من فيض عالم العقل لا بحضور مادة خارجية.
ومن هناك كان النبي احدى خاصياته الثلاث التي منها تستتم ضروب النبوة أن تتشبح له الملائكة فيرى من تتنزل عليه من ملائكة الله المقربين ، ويسمع كلام الله منتظما على لسان روح القدس الامين باذن الله المهيمن الملك الحق المبين.
وهذا هو الذي يعبر عنه بالوحي والايحاء على ما قد أسمعناك فيما تلونا عليك من قبل ، وليس يتيسر ذلك للنبي متى ما أراد وحيثما أراد ، بل انما له وقت موقوت من الله سبحانه يلقى عليه فيضه اذا شاء كيف شاء ، وسواء في ذلك حال النوم وحال اليقظة.
فاذن ربما يكون النبي تنام عيناه ولا ينام قلبه فيرى ويسمع في النوم ما يراه ويسمعه في اليقظة ، ولكن لا من سبيل الظاهر ، بل من سبيل الباطن من جهة الاتصال بالملأ الاعلى والانخراط في سلك الملكوت ، ولا كذلك ساير البشر ، فهذا معنى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم تنام عيناي ولا ينام قلبي ، ولم يزد أنه يبصر ويسمع في النوم كما يبصر ويسمع في اليقظة دائما في جميع أوقات النوم واليقظة فليتعرف.