وانّ مبدأ صحيحا كهذا يجب أن يضحى دونه النفس والنفيس ، ويرخص في سبيله ذلك الدم الغالي الزاكي « دم مسلم بن عقيل » ومن يحذو حذوه من المجاهدين أعضاد الحفاظ الديني وراود الصالح المدني.
فمن الاحتفال بأمره الكاشف عن الخضوع لخطّته والمصافقة على ارتياد مبدئه عقد المأتم له ، وتذكار ما تلفع به من مكارم الأخلاق ، وما جرى عليه من الكوارث على حد فضله الكثار ، وقد قابل تلكم المحن بالصبر والثبات فلم يعط سرىّ هاشم وليث أبي طالب المقادة عن ذلة ، ولا نكص على عقبه فرقا ، ولم يفتأ مكافحا كما شاء له الحفاظ حتى أمسى رافلا بحلة الشهادة بين ذلك الجيل القدسي الزاهر.
فعلى مثل مسلم فليبك الباكون ، وليضجّ الضاجون ، كيف لا وقد بكى عليه الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله قبل أن يُقتل وعد البكاء عليه من علائم الإيمان كما في حديث ابن عباس :
|
انّ أميرالمؤمنين عليا عليهالسلام قال لرسول الله : « أتحب عقيلا؟ » قال : « اي والله أحبه حبين حبا له وحبا لحب أبي طالب له ، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك تدمع عليه عيون المؤمنين وتصلي عليه الملائكة المقربون » ثم بكى رسول الله وقال : « الى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي (١) ». |
وهذا النص كاف في رجحان البكاء عليه لمن يتطلبه بالخصوص فإن إخبار النبي عن بكاء المؤمنين عليه وارد لبيان كونه محبوبا له لأنه رتّبه على شهادة مسلم المسببة عن محبة الحسين ، ثم قرن البكاء بصلاة الملائكة المقربين ، وهل يصح القول بأن صلاة الملائكة عليه غير محبوبة لله سبحانه؟ فإذا بكاء المؤمنين وصلاة الملائكة على مسلم المترتّان على شهادته مما يرغب فيه الرسول وهو محبوب لله سبحانه.
ولفظ الحديث وان لم يذكر فيه مسلم صريحا لكنا نعلمه من أفراد لفظ القتل في قوله « وان ولده لمقتول » ولو كان يريد أولاد أجمع لقال : « وان ولده لمقتولون » ثم
__________________
١) المجالس ، مجلس ٧٧ ص٢٧.