لكنه اراد تعريف الكوفيين بأن هذا الذي يعدون من كبرائهم ويتبجح بأن أباه فاتح البلاد هذا حده من المروءة ، وموقفه من الحفاظ فلا يغتر به أحد إذا تحيّز الى فئة أو جنح الى جانب ، فأنه لا يهوى إلا مثله.
وهناك دقيقة اخرى لاحظها مسلم في هذه الوصية ، وهي الإرشاد الى أنه ومن يعقبه منالرهط الهاشمي لم يقصد هذا المصر لاستنزاف أموالهم ، وإنما جاؤا منقذين وملبّين لدعوتهم ، ونشر الإصلاح فيهم ، وأول شاهد على ذلك أنه أيام إقامته بالكوفة لم يمدّ يده الى بيت المال على أنه جاء واليا يتصرف كيف شاء وتحت يده ما يجمع من المال إلا أنه قضى أيامه البالغة أربع وستين يوما بالإستدانة ، وهكذا ينبغي أن يسير أولياء الأمور فلا يتخذون مال الفقراء مغنما ، وأين من يفقه هذه الأسرار؟
لمّا أكثر مسلم عليهالسلام من الطعن على ابن زياد في حسبه ونسبه أمر رجلا شاميا (١٠) أن يصعده الى أعلا القصر ، ويشرف به على موضع الجزّارين (١١) ، ويضرب عنقه ، ويرمي بجسده ورأسه الى الأرض. فأصعده الشامي ، ومسلم يسبّح الله ويكبّره ويستغفره ويقول :
|
« اللهم أحكم بيننا وبين قوم كذبونا وغرونا وخذلونا وقتلونا (١٢) » |
ثم صلى ركعتين (١٣) وتوجه نحو المدينة وسلم على الحسين (١٤) فضرب الرجل عنقه ورمى بجسده الى الأرض كما أمره ابن زياد (١٥) ونزل مذعورا فسأله ابن زياد عما دهاه قال : رأيت ساعة قتله رجلا أسود سيّء الوجه حذائي عاضّا على اصبعه ، فقال له : لعلك دهشت! (١٦) قصدا لتعمية الأمر على الجالسين حوله لئلا يفشوا الخبر فتزداد عقيدة الناس
__________________
١٠) مقتل الخوارزمي. ومنه يعرف الإضطراب في نقل ابن جرير فإنه نص على أن بكير الأحمري هو الذي أصعده الى أعلا القصر ، وقبل هذا ذكر أن مسلما ضربه على عاتقه حتى كاذت أن تطلع الى جوفه ، ومثل هذا الجريح هل يستطيع القيام بقتله.
١١) في ارشاد الشيخ المفيد موضع الحذائين.
١٢) الطبري ج٦ ص٢١٣.
١٣) رياض المصائب ص٦٨.
١٤) أسرار الشهادة ص٢٥٨.
١٥) ابن الأثير ج٤ ص١٥.
١٦) اللهوف لابن طاووس ص٣١.