وهذا معناه عدم أخذ الفورية ولا التأخير والتراخي قيداً في الأمر ، إلاّ انّ نتيجة الإطلاق من ناحية كلا القيدين جواز التراخي وكون الواجب موسّعاً.
ولو فرض إجمال الأمر وعدم الإطلاق فيه كان المرجع الأصل العملي ، وهو أصالة البراءة المقتضية نفي وجوب كل من القيدين ، فيثبت جواز التراخي أيضاً.
وقد يقرّب دلالة الأمر على الفور بأنّ الارسال والبعث التشريعي موازٍ عرفاً وارتكازاً للانبعاث التكويني ، فكما يكون التحرّك والانبعاث التكويني في الإرادة التكوينية فورية فكذلك يناسب أن يكون البعث والارسال التشريعي الذي هو مدلول الأمر كذلك ، فتتشكل دلالة التزامية أو اطلاقية عرفية بملاك التطابق بين الارادة التكوينية والتشريعية تقتضي الفورية.
وفيه : أنّ التحرّك التكويني في الإرادة التكوينية ليست من باب الفورية وبملاكها ، بل من باب خارجية الحركة وجزئيّتها ، وهذا غير موجود في التحريك التشريعي والأمر ؛ لأنّه متعلّق بحسب الفرض بمدلول المادة الدالّة على طبيعي الفعل في عمود الزمان ، وهذا واضح.
الأمر الثالث : في استفادة الفور بدليل آخر ، حيث ادّعي استفادة ذلك في الأوامر الشرعية من آية الأمر بالمسارعة إلى المغفرة واستباق الخيرات أو المغفرة (١) ؛ لصدق المغفرة والخير على الأوامر الشرعية قطعاً ، وظهور
__________________
(١) قال تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ ) ، آل عمران : ١٣٣.
وقوله تعالى : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ) ، البقرة : ١٤٨ ، المائدة : ٤٨.
وقوله تعالى : ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ ... ) ، الحديد : ٢١.