تعالى : ( وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) (١) ، ومن الواضح انّ هذا الاستباق والتنافس استحبابي لا وجوبي ؛ لأنّه لا يمكن فيه سبقة الجميع ، بل لا محالة يسبق بعض ويتأخر الآخرون ، بل كون الاستباق ملحوظاً بالنظر إلى الآخرين لا اتيان الواجب في نفسه قرينة أيضاً على ارادة التشويق والترغيب لا ايجاب الفورية في الأعمال في نفسها ، سواء كان آخرون في البين أم لم يكونوا.
وكذلك الأمر بالمسارعة إلى المغفرة من الله تعالى والتي يشتاق إليها كلّ انسان بطبعه.
هذا ، مضافاً إلى أنّ المغفرة إنّما تكون بالتوبة عن الذنوب والمعاصي المرتكبة ، وهي واجبة فوراً ففوراً عقلاً ، والأمر الشرعي بها لا يناسب إلاّأن يكون إرشاداً إلى ذاك الحكم العقلي لا ايجاب شرعي مولوي آخر ليلزم من ترك الفورية تراكم ذنوب ومعاصي اخرى على العبد ، فإنّ هذا لا يناسب سياق امتنانية الآية والدعوة إلى غفران الله سبحانه وتعالى.
الأمر الرابع : بناءً على وجوب الفورية فهل يسقط الواجب رأساً بترك الفورية أو يبقى ذات الفعل واجباً موسعاً ، أو يجب الاتيان به فوراً ففوراً؟ وجوه ثلاثة ، كل منها معقول ثبوتاً ومحتمل في نفسه كما ذكرنا تصوير ذلك في الأمر الأوّل.
وأمّا اثباتاً فإذا قلنا بالفورية على أساس استفادة تقييد المادة ولو باقتضاء الأمر بها تقييدها بالحصة الفورية ، فالظاهر عندئذٍ الاحتمال الأوّل ؛ لأنّ كل أمر ظاهر في انّه وجوب واحد متعلّق بمتعلّقه ، فإذا كان المتعلّق مقيداً بالحصة الفورية سقط الوجوب لا محالة بانتفاء القيد وفواته.
__________________
(١) المطفّفين : ٢٦.