وبالجملة : ما ذكره صاحب الكفاية متين في موضوع بحثه ، وهو أخذ الإرادة في الموضوع له. وبذلك يكون اختيارنا هو كون اللفظ موضوعا لذات المعنى وبما هو هو.
واما ما وجه به صاحب الكفاية كلام العلمين من حمله على ان الدلالة التصديقية تتبع الإرادة ، فبظني انه واضح الإشكال بلا حاجة إلى إثبات خلافه من تصريحاتهم وتكلف المشقة في نقل كلامهم. وذلك لأن تفرع الدلالة التصديقية عن الإرادة أمر بديهي لا يحتاج إلى بيان كما لا يحتاج تفرع الكاشف عن المنكشف ، إليه فيبعد تصديهم بهذا الكلام إلى بيان مثل هذا الأمر البديهي ، وعلى كل فالامر سهل.
واما الجهة الثانية من جهات البحث ، فتحقيقها : أنه لا وجه لدعوى كون مقتضى الوضع هو تحقق الإرادة التفهيمية حال الاستعمال الا ما ذكره السيد الخوئي ( حفظه الله ) : من ان ذلك مقتضى الالتزام بان الوضع هو التعهد ، فانه إذا كان الوضع هو التعهد بذكر اللفظ عند قصد التفهيم وتحقق إرادته كان ذكر اللفظ بمقتضى الالتزام النفسيّ والعهد الّذي أخذه الواضع على نفسه كاشفا لا محالة عن تحقق الإرادة. وإلاّ كان مخالفا لعهده وهو خلاف الأصل العقلائي (١).
ولا يخفى انه يرد عليه :
أولا : ان أصل المبنى ـ أعني كون حقيقة الوضع هو التعهد بذكر اللفظ عند قصد التفهيم ، أو بتعبير آخر : وهو التعهد بقصد التفهيم عند ذكر اللفظ ـ فاسد كما عرفت.
وثانيا : لو سلم أصل المبنى لم يثبت المدعى ، لأن التعهد المذكور انما يثبت كون قصد التفهيم سببا لذكر اللفظ ، وهذا لا ينافي ان يكون لذكر اللفظ سبب
__________________
(١) الفياض محمد إسحاق. محاضرات في أصول الفقه ١ ـ ١٠٤ ـ الطبعة الأولى.