يوجّه إليّ ، فيحضرني فيسألني عن الشيء ، فإن أبطأت في الجواب لحقني من عيب ، وإن بادرت لم آمن الزلل. قال : فقلت له ـ ممتحنا ـ : يا أبا الحسن ؛ من يعترض عليك؟! ، قل ما شئت فأنت الكسائيّ ، فأخذ لسانه بيده ، فقال :قطعه الله ـ إذا ـ إن قلت ما لا أعلم (١).
ولم ينل من ورع الكسائيّ قربه من السلطان ؛ قال أبو عمر الدوري : لم يغير الكسائيّ شيئا من حاله مع السلطان ، إلا لباسه. قال : فرآه بعض علماء الكوفيين وعليه جربانات عظام ، فقالوا له : يا أبا الحسن ؛ ما هذا الزي؟ قال :أدب من أدب السلطان ، لا يثلم دنيا ، ولا يدخل في بدعة ، ولا يخرج عن سنة (٢).
كما كان الكسائيّ متواضعا ، لا يأنف أن يقضي حوائجه بنفسه ، فقد روي أنه كان مع الأمين والمأمون يؤدّبهما ، فأقبل الرشيد عليه وهو لا يراه ، فقام الكسائيّ ، ليلبس نعله ، لحاجة يريدها ، فابتدرها الأمين والمأمون ، فوضعاها بين يديه ، فقبل رءوسهما وأيديهما ، ثم أقسم عليهما ألا يعاودا ، فلما جلس الرشيد مجلسه ، قال : أي الناس أكرم خادما؟ قالوا : أمير المؤمنين ، أعزه الله! قال : لا ، بل الكسائيّ ، يخدمه الأمين والمأمون ... وحدّثهم الحديث (٣).
__________________
(١) تاريخ بغداد ( ١١ / ٤١١ ).
(٢) المرجع السابق نفس الصفحة.
(٣) إرشاد الأريب ( ٥ / ١٩٥ ).