وبعد أن اكتملت شخصية « أبي الفضل الرازي » وبرزت مواهبه تصدر لتعليم القرآن ، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام ، وذاع صيته بين الناس ، واشتهر بالثقة والضبط ، وأقبل عليه طلاب العلم من كل مكان يأخذون عنه ، وكثر تلاميذه ، ومن الذين أخذوا عنه القراءة : « يوسف بن عليّ بن جبارة أبو القاسم الهذلي اليشكري » ، الأستاذ الكبير والعلم الشهير الرحّال الجوّال.
ولد في حدود التسعين وثلاثمائة ، وطاف البلاد في طلب القراءات قال « الإمام ابن الجزري » : لا أعلم أحدا في هذه الأمة رحل في القراءات رحلته ، ولقي من لقي من الشيوخ ، قال في كتابه « الكامل » : فجملة من لقيت في هذا العلم ثلاثمائة وخمسة وستون شيخا ، من آخر المغرب إلى باب فرغانة يمينا وشمالا ، وجبلا ، وبحرا ، ولو علمت أحدا تقدم عليّ في هذه الطبقة في جميع بلاد الإسلام لقصدته ، قال : وألفت هذا الكتاب ـ أي الكامل ـ فجعلته جامعا للطرق المتلوة ، والقراءات المعروفة ، ونسخت به مصنفاتي كالوجيز ، والهادي (١).
قال « الأمير ابن ماكولا » : كان « أبو القاسم الهذلي » يدرّس علم النحو ، ويفهم الكلام ... وكان قد قرره الوزير « نظام الدين » في مدرسته بنيسابور ، فقعد سنين وأفاد ، وكان مقدّما في النحو والصرف ، وعلل القراءات ، وكان يحضر مجلس « أبي القاسم القشيري » ويأخذ عنه الأصول ، وكان « القشيري » يراجعه في مسائل النحو ، والقراءات ، ويستفيد منه ، وكان حضوره سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ، وقد ذكر شيوخه الذين أخذ عنهم القراءات في كتابه « الكامل » وعدتهم مائة واثنان وعشرون شيخا ، منهم : « إبراهيم بن أحمد ، وإبراهيم بن الخطيب ».
وبعد أن اكتملت مواهب « أبي القاسم الهذلي » تصدّر لتعليم القرآن وكما
__________________
(١) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ، ص ٣٩٨.