بالحدوث يقيناً بالبقاء ، وهذا كلّه بعد فرض الحاجة إلى هذه العناية من جهة أنّه عليهالسلام طبّقها على ما يحتاج تطبيقها عليه إلى هذه العناية ، أمّا إذا لم يكن في البين هذا التطبيق ، ولم يكن في البين إلاّقوله عليهالسلام : « من كان على يقين فشكّ » الخ (١) فقد عرفت أنّ انطباقه على قاعدة اليقين لا يحتاج إلى ارتكاب هذه العناية ، لكن بقرينة تطبيق عين هذه الكبرى على تلك الموارد المحتاجة إلى العناية ، يمكننا القول بأنّ المراد بها ما لو بقي اليقين بعد عروض [ الشكّ ] ليكون حالها حال باقي تلك الكبريات. مضافاً إلى أنّ المستفاد منها هو الإيكال إلى أمر عقلائي قد جرى عليه العقلاء ، وهم إنّما يجرون على طبق الاستصحاب دون قاعدة اليقين.
ويمكن أن يقال : إنّ العناية التي سوّغت إطلاق النقض في مثل قوله عليهالسلام : « وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين بالشكّ » (٢) هي تجريد الطهارة ـ التي هي متعلّق اليقين باعتبار حدوثها ومتعلّق الشكّ باعتبار بقائها ـ عن كلّ من الحدوث والبقاء ، بدعوى أنّ العرف يفهم من أمثال ذلك أنّ متعلّق اليقين ومتعلّق الشكّ هو نفس الطهارة ، غير أنّه بحسب الدقّة يكون الأوّل هو حدوث الطهارة والثاني هو بقاءها ، لكنّها بحسب النظر العرفي واحدة ، وبهذا الاعتبار العرفي صحّ أن يقال : إنّ اليقين بالطهارة منتقض بالشكّ فيها ، وبهذا الاعتبار العرفي صحّ للشارع أن ينهاه عن نقض اليقين بالطهارة بالشكّ فيها ، وأمره أن يجعل اليقين بالطهارة ناقضاً للشكّ فيها.
وبالجملة : أنّ صحّة كون الشكّ ناقضاً لليقين في الاستصحاب متوقّف على هذه العناية ، أعني عناية تجريد المتعلّق عن الحدوث والبقاء ، وهذا بخلاف
__________________
(١) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في الهامش من صفحة : ١٠٣.
(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في الهامش (٣) من صفحة : ١٠٢.