ثمّ إنّه يبقى المكلّف في تمام الحيرة في يوم الشكّ من الآخر لأنّه لا يمكنه إدراجه في رمضان ، لأنّه يعتبر فيه اليقين ولا يجوز إدخال المشكوك فيه ، ولا يمكنه جعله عيداً لأنّه لابدّ فيه أيضاً من اليقين ، فهل يرى القائل بذلك أنّه يفطره ولكن لا يجعله عيداً ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ اعتبار اليقين في رمضان إنّما هو في أوّله لا في آخره.
أو أنّها حكم ظاهري ، بمعنى أنّه ما دام مشكوكاً لا يمكن أن يحسب من رمضان ، بأن يصام على أنّه من رمضان ، وحينئذ يكون من أوضح الواضحات لا يحتاج إلى جعل وتشريع ، فإنّه من التشريع الواضح لو كان من الأوّل ، ومن الافطار بلا مسوّغ لو كان من الثاني ، فلابدّ أن يكون أساس هذه الجهة هو الاستصحاب ، وأنّ يوم الشكّ الأوّل محكوم بأنّه من شعبان ، ويوم الشكّ الآخر محكوم بأنّه من رمضان ، فلا يجب صيام الأوّل بل يحرم لو كان بنيّة رمضان ، كما أنّه لا يجوز الافطار في الثاني لكونه محكوماً بكونه من رمضان.
وحينئذ ننقل الكلام إلى قوله عليهالسلام : « صم للرؤية وأفطر للرؤية » بعد الفراغ عن أنّ مفاد قوله عليهالسلام : « اليقين لا يدخله الشكّ » هو الاستصحاب ، فنقول : إنّ اللام تارةً نجعلها بمعنى « عند » أو للتعليل نظير قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ )(١) ويكون مفاد انحصاره وجوب الصوم عند الرؤية من الأوّل ووجوب الافطار عند الرؤية من الآخر ، ويكون هذا الانحصار حكماً ظاهرياً ناشئاً عن الحكم السابق ، وهو الاستصحاب في كلّ من الموردين.
ويمكن أن تكون اللام بمعنى « إلى » نظير قوله تعالى : ( سُقْناهُ لِبَلَدٍ
__________________
(١) الإسراء ١٧ : ٧٨.