الثاني هو منع المقدّمة الثالثة بعد تسليم المقدّمتين الأوّليتين ، وذلك أنّا لو سلّمنا أنّ العقل لا يعقل أن يكون شاكّاً فيما له الدخل في ملاك حكمه ، بحيث كان ذلك موجباً لعدم قابلية أحكامه لأن يطرأ عليها الشكّ في البقاء ، إلاّ أن ذلك لا يمنع الشكّ في الحكم الشرعي المستكشف بذلك الحكم العقلي.
وفيه أيضاً تأمّل ، فإنّ العقل (١) بعد أن حكم بقبح الكذب الضارّ ، بحيث كان
__________________
(١) ويمكن اختصار هذا البحث بحذف حكومة العقل بالحسن والقبح ، ولو بدعوى أنّه لا واقع للعقل إلاّما يجده الإنسان من شعور ، وليس في البين حكومة عقلية ومحكمة وقوانين ، نعم نحن معاشر العدلية نقول بأنّ الأحكام الشرعية [ ناشئة ] عن ملاكات ومصالح ومفاسد ، والمكلّف وإن لم يشعر بتلك المفاسد وهاتيك المصالح ، إلاّ أنه ينتقل إليها من معلولها الذي هو الحكم الشرعي انتقالاً إنّياً من المعلول إلى العلّة.
ثمّ بعد هذا نقول : إنّ الإنسان ربما أدرك مفسدة في بعض الأفعال ، كالمفسدة في شرب الخمر وهي الاسكار وإذهاب الشعور ، على نحو يكون قاطعاً بهذه المفسدة وإن خالفه بقيّة الناس وهذا هو معنى حكم عقله ، وعن هذا الإدراك والشعور يتنفّر من شرب الخمر ، وعن هذه المفسدة ينتقل إلى معلولها وهو التحريم الشرعي انتقالاً لمّياً من العلّة التي هي المفسدة إلى معلولها الذي هو التحريم الشرعي.
نعم ، ربما كانت في شرب الخمر مفسدة أُخرى لم يطّلع عليها المكلّف ولم يعرفها ، كما هو شأنه في أغلب التحريمات من عدم الاطّلاع على المفسدة التي هي علّتها إلاّبواسطة معلولها الذي هو التحريم الشرعي ، وحينئذ نقول : من الممكن أن يكون في شرب الخمر مفسدة أُخرى غير إذهاب الشعور ، ولو بأن يكون الخمر مشتملاً على مقدار من السم ولم نطّلع عليه ، على وجه يكون التحريم معلولاً لكلّ من العلّتين ، ويكون كلّ منهما كافياً في تحقّقه ، ويكون حاله حال اجتماع العلل المتعدّدة على معلول واحد في كون العلّة هو القدر الجامع ، ويتفرّع على ذلك أنّه [ لو ] ارتفعت العلّة الأُولى من بعض الناس وهي الاسكار وإذهاب الشعور ولو لتعوّده عليه ، لكانت