الأربعة فعلاً ، فلابدّ أن تكون السببية للوجوب حقيقية ، وأنّها باقتضاء ذات الدلوك فلا يكون اتّصاف ذات الدلوك بأنّه سبب للوجوب متوقّفاً على تحقّق الوجوب كما لو قلنا بأنّ السببية مجعولة للدلوك تبعاً لجعل الوجوب عنده.
وحاصل الكلام : أنّ القول بكون السببية مجعولة تبعاً لجعل الوجوب عند الدلوك مناقض لكون الدلوك سبباً للوجوب.
وبذلك يظهر لك أنّه لا يمكن الجواب عن هذا الإشكال بأنّه لا استحالة في تأخّر وصف السببية عن ذات المسبّب ، وإنّما المستحيل تأخّر ذات السبب عنه ، إذ مع الاعتراف بالسببية بين الدلوك والوجوب ، لا يعقل القول بأنّ اتّصافه بالسببية متأخّر عن تحقّق الوجوب الذي هو المسبّب ، لأنّ اتّصاف العلّة بالعلّية لا يعقل تأخّره عن وجود المعلول خارجاً.
فالعمدة حينئذ في الإشكال على صاحب الكفاية قدسسره هو إنكار السببية الذاتية ، بل ليس في البين إلاّجعل الوجوب عند الدلوك ، فيصحّ لهذا القائل أن يقول إنّ جعل الوجوب عند الدلوك يتبعه جعل السببية للدلوك جعلاً شرعياً اعتبارياً ، ولا يتوقّف اتّصافه بالسببية على تحقّق الوجوب فعلاً ، بل يكفي في هذا الانجعال التبعي ـ أعني اتّصاف الدلوك بالسببية ـ ذلك الجعل الكلّي ، أعني جعل الوجوب على تقدير الدلوك ، وإن لم يكن فعلاً دلوك ولا وجوب ، فلو أمر الشارع بالحجّ على تقدير الاستطاعة ، كانت الاستطاعة سبباً شرعياً لوجوب الحج وإن لم يكن في البين استطاعة فعلية.
وبالجملة : أنّ من يدّعي أنّ السببية مجعولة تبعاً لجعل الوجوب على تقدير السبب ، إنّما يقول إنّ الجعل الكلّي يكون علّة لجعل السببية ، لا أنّ الوجوب الخارجي الذي ينوجد عند وجود ذات السبب يكون علّة في السببية ، ولعلّ هذا