إجزاء المأتي به ظاهراً عن الواقعي الذي هو عبارة عن تنزيله منزلة الواقعي ، لا يدفع الإشكال ، إذ بعد ذلك التنزيل لا يثبت لنا إلاّ أن الأمر الظاهري مطابق للواقع ، ولازم ذلك هو تحقّق الواقع لدى المكلّف ، وأنّ هذا الذي أتى به مطابق للواقع.
والحاصل : أنّ التصرّف الشرعي لم يقع في المطابقة بل في نفس الواقع ، ولا تخرج الصحّة في ذلك عن كونها عبارة عن المطابقة الوجدانية ، غايته أنّها تارةً تكون عبارة عن المطابقة للواقع الحقيقي ، وأُخرى تكون عبارة عن المطابقة للواقع التنزيلي ، وفي كلّ من الصورتين لا تكون من الأحكام الشرعية ، بل هي فيهما عبارة عن تلك الاضافة بين المطابق ـ بالكسر ـ والمطابق ـ بالفتح ـ وكون المطابق ـ بالفتح ـ حكماً شرعياً لا يوجب كون نفس تلك الاضافة الانتزاعية بينهما حكماً شرعياً. وأمّا ما أُفيد من كونها منتزعة من نفس فعل المكلّف ففيه تأمّل ، لما عرفت من كونها منتزعة من لحاظه بالاضافة إلى المأمور به واقعاً أو ظاهراً. نعم إنّ هذه الاضافة الانتزاعية واقعية وليست من الأحكام الشرعية. هذا كلّه قبل انكشاف الخلاف.
وأمّا بعده فقد يقال : إنّ مرجع الحكم بالإجزاء إلى تنزيل الفاقد منزلة الواجد. وفيه : أنّ الأمر كذلك أيضاً ، إذ لا محصّل لذلك التنزيل إلاّ إسقاط لزوم ذلك الذي انفقد ، ومن الواضح أنّه بعد إسقاطه يكون أمره الواقعي متعلّقاً بما عداه ، ويكون ما أتى به مطابقاً للواقع. وأمّا القول بأنّ الإجزاء من باب اكتفاء الشارع بالفاقد عن الواجد ، فقد عرفت أنّه راجع إلى الأوّل وهو الاسقاط لما انفقد ، وإن كان مرجعه إلى أنّ المأتي به يكون موجباً لفوت مصلحة الواجد ، على ما تقدّم تفصيله في أواخر البراءة (١) ، فمن الواضح حينئذ أنّه ليس في البين صحّة
__________________
(١) راجع الجزء الثامن من هذا الكتاب الصفحة : ٥٥٣ وما بعدها.