فمرجع ذلك إلى سببية هذه المعاملة لأثرها وعدم سببية تلك ، فإن لوحظت المعاملة سبباً لحكم تكليفي كالبيع لإباحة التصرّفات والنكاح لإباحة الاستمتاعات ، فالكلام فيها يعرف ممّا سبق في السببية وأخواتها ، وإن لوحظت سبباً لأمر آخر كسببية البيع للملكية والنكاح للزوجية والعتق للحرّية وسببية الغسل للطهارة ، فهذه الأُمور بنفسها ليست أحكاماً شرعية.
نعم ، الحكم بثبوتها شرعي ، وحقائقها إمّا أُمور اعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية ، كما يقال : الملكية كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به وبعوضه ، والطهارة كون الشيء بحيث يجوز استعماله في الأكل والشرب والصلاة نقيض النجاسة ، وإمّا أُمور واقعية كشف عنها الشارع.
فأسبابها على الأوّل في الحقيقة أسباب للتكاليف ، فتصير سببية تلك الأسباب في العادة كمسبّباتها أُموراً انتزاعية.
وعلى الثاني يكون أسبابها كنفس المسبّبات أُموراً واقعية مكشوفاً عنها ببيان الشارع (١).
وظاهر العبارة أنّ الترديد بين كونها أُموراً اعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية وبين كونها أُموراً واقعية كشف عنها الشارع إنّما هو في الجميع ، لا أنّ الشقّ الأوّل منحصر بما هو مثل الملكية ، والشقّ الثاني منحصر بالطهارة والنجاسة كيف وقد صرّح في الشقّ الأوّل بدخولهما ، ولم أتوفّق لمعرفة المراد بقوله قدسسره : فهذه الأُمور بنفسها ليست أحكاماً شرعية ، نعم الحكم بثبوتها شرعي. أمّا عدم كونها أحكاماً شرعية لأنّها إمّا أن تكون منتزعة من التكليف في موردها ، وإمّا أن تكون من الأُمور الواقعية التي كشف عنها الشارع ، وعلى أيّ حال ، فهي بذاتها
__________________
(١) فرائد الأُصول ٣ : ١٢٩ ـ ١٣٠.