ولابدّ في توجيه ذلك من الركون إلى ما حقّقناه في مباحث البراءة (١) من أنّ المستصحب عدمه إن كان هو الجعل لم يترتّب عليه أثر إلاّبلازمه العقلي وهو عدم المجعول ، وإن كان المستصحب عدمه هو المجعول أعني نفس الوجوب ، فإن كان المراد هو أنّ نفس الوجوب من دون النظر به إلى موضوع خاصّ حادث من الحوادث والأصل عدمه ، فهذا حقّ لكن أين هذا من عدم الوجوب على هذا المكلّف ، فإنّ الوجوب عرض من عوارضه وعارض الشيء بما أنّه عارض ذلك الشيء لا يتّصف بالوجود والعدم قبل تحقّق موضوعه ، ألا ترى أنّه قبل وجود زيد لا يمكننا القول بأنّ قيامه موجود ، وكذلك لا يمكننا القول بأنّ قيامه منعدم إلاّ على نحو السالبة بانتفاء الموضوع.
وهكذا الحال في الوجوب الوارد على الجلوس الذي يكون موضوعه بعد الزوال ، فما لم يتحقّق بعد الزوال لم يكن هناك وجوب ولا جلوس ، كما أنّه لم يتحقّق عدم وجوب الجلوس ولا نفس عدم الجلوس بعد الزوال إلاّعلى نحو السالبة بانتفاء الموضوع ، ولأجل ذلك يكون عدم عارض الشيء توأماً مع وجوده ، وكما لا يمكن وجود العارض قبل وجود المعروض ، فكذلك لا يمكن تحقّق عدم العارض قبل وجود المعروض إلاّعلى نحو السالبة بانتفاء الموضوع.
ولا يخفى أنّ هذا المطلب سيّال في كلّ تكليف بالنسبة إلى موضوعه الخاصّ ، بل في كلّ عارض بالنسبة إلى معروضه ، ومرجع ذلك إلى عدم الجدوى في أصالة العدم بمفاد ليس التامّة في مقام مطلوبية العدم بمفاد ليس الناقصة ، إذ انعدام كلّ عارض عن معروضه إنّما يكون بمفاد ليس الناقصة ، فلا يجدي فيه
__________________
(١) راجع فوائد الأُصول ٣ : ٣٧٠ ، وأشار إليه أيضاً في الصفحة : ٤٥١ وما بعدها من هذا الكتاب.