ولا يكون استصحاب عدم الحجّية جارياً ، إذ لا تزيد بذلك على ما هو الموضوع أعني عدم العلم الذي هو أعمّ من العلم بالعدم. نعم يجري استصحاب الحجّية ، لأنّه يخرج المسألة عن موضوع عدم العلم بأنّه من الشارع ويدخلها في العلم بأنّه من الشارع.
كما أنّ لنا أحكاماً واقعية لكن قام الدليل على لزوم الاحتياط فيها ولو مثل ما لو علّق الترخيص على عنوان وجودي ، القاضي بلزوم التوقّف ما لم يحرز ذلك العنوان الوجودي ، إلى غير ذلك ممّا يوجب انقلاب الأصل من البراءة مثلاً إلى الاحتياط ، كما في باب أموال الناس والدماء والفروج ، فإنّه بناءً على ذلك الانقلاب يكون الاستصحاب من الطرفين ـ أعني مثبته ونافيه ـ جارياً وحاكماً على دليل الاحتياط ، وما لم يكن هناك استصحاب يكون المتعيّن هو الاحتياط الذي دلّ عليه الدليل في خصوص ذلك الباب ، أعني باب الدماء مثلاً ، ويكون ذلك الدليل لو تمّ مقدّماً على دليل البراءة الشرعية لكونه أخصّ منه ، وحاكماً على البراءة العقلية أعني حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، لأنّ ذلك الدليل الدالّ على لزوم الاحتياط كافٍ في كونه بياناً وحجّة مصحّحة للعقاب.
نعم ، الشأن كلّ الشأن في تمامية ذلك الدليل الموجب للخروج عن عمومات البراءة الشرعية ، وهو أمر آخر لا دخل له بما نحن في صدده من إنكار هذا التفصيل في الأحكام العقلية ، بل إنكار أصل قاعدة التحسين والتقبيح العقليين وقاعدة الملازمة. ولو سلّمناها فلا صغرى لها في أحكامنا الفقهية الثابتة في الشريعة الإسلامية ، فلاحظ وتأمّل لتستريح من انتقادات المحدّثين الموجّهة إلى الأُصوليين في هذا الدليل العقلي الراجع إلى ذلك.