المجتهد ، لأنّ ما يكون حجّة عليه منحصر بفتوى المجتهد ، فإذا رجع إلى المجتهد في تلك المسألة فذلك المجتهد إن كان قد حصّل الحكم الواقعي من الأدلّة أفتاه به ، وإن لم يحصّل ذلك الحكم الواقعي ، وكان المورد بحسب نظره مورداً للبراءة ، صحّ له أن يفتيه بالبراءة ، لأنّ البراءة حينئذ جارية في حقّ ذلك المقلّد ، لكونه شاكّاً غير عالم بالحكم ، مع فرض كون شكّه المذكور واجداً لشرط البراءة ، وهو الفحص عن الحجّة على التكليف.
نعم ، ليس له أن يفتيه بعدم الحكم واقعاً ، كما أنّه بنفسه لا يمكنه البناء على عدم ذلك الحكم واقعاً لو كان هو بنفسه محلّ ابتلاء في ذلك التكليف ، غايته أنّ التعبير في الرسالة العملية بنفي الوجوب مثلاً بأن يقول : يجوز شرب التتن وأنّه لا يحرم ، يكون من قبيل التسامح في التعبير ، وإلاّ فإنّ حقّ العبارة أن يقول إنّ من لم يكن عالماً بحرمة شربه يكون مأذوناً بشربه ، أو لا عقاب عليه في شربه ، أو أنّ حرمته الواقعية مرفوعة عنه ، على الاختلاف في مفاد حديث الرفع ، إلاّ أن ذلك لمّا كان موجباً للتطويل أو لعسر فهمه على العامي التجأوا إلى التعبير بالجواز أو عدم الحرمة ، فتأمّل فإنّ شمول دليل هذه الأُصول لشكّ المقلّد وعدم علمه قابل للمنع.
وبالجملة : أنّ عدم علم المقلّد وشكّه في الحكم ولزوم الفحص عن الفتوى ، لا ربط له بما هو موضوع تلك الأُصول من الشكّ في الحكم الواقعي المتوقّف على النظر في الأدلّة الاجتهادية وعدم تحصيل شيء منها ، وأين هذا من الشكّ الذي هو من مجرّد عدم العلم بفتوى المجتهد ، فراجع ما حرّرناه في مبحث التخيير من مباحث التعادل والتراجيح.