أوّل يوم من شهر شوّال ، كما لا شبهة في أنّ ذلك اليوم هو من أيّام شوال ، ولكن بماذا امتاز به ذلك اليوم حتّى صار يستحقّ أن يسمّى بالأوّل من شهر شوال ، فنقول : إنّ لذلك اليوم جهتين من الاضافة : الأُولى : إضافته لما بعده من تمام الباقي من أيّام الشهر باعتبار كونه سابقاً عليه ، وأنّ وجوده قبل وجوده ، وهذه الجهة جهة وجودية. والثانية إضافته لما قبله ، ويعني باضافته لما قبله لحاظه بالنسبة إلى ما قبله باعتبار كونه غير مسبوق بمثله من أيّام شوال ، وهذه الجهة جهة عدمية منتزعة من عدم وجود مثله قبله. وهاتان الجهتان هما اللتان ميّزتا ذلك اليوم عن بقيّة أيّام شوال ، على وجه صار يستحقّ إطلاق لفظ « الأوّل » عليه دون باقي الأيّام ، فهل الملاك في ذلك هو الجهة الأُولى فقط دون الثانية ، أو أنّ الملاك فيه هو الجهة الثانية دون الأُولى ، أو أنّ الملاك في ذلك هو كلا الجهتين؟
لا يبعد القول بأنّ الملاك في ذلك هو الجهة الثانية فقط دون الأُولى ، لأنّ مجرّد كون ذلك اليوم سابقاً في الوجود على ما بعده لا يحقّق كونه أوّلاً ، لأنّ كلّ واحد من تلك الأيّام سابق في الوجود على ما قبله.
إلاّ أن يقال : إنّ أسبقيته بالوجود إنّما هي بالنظر إلى تمام أيّام شوال لا خصوص ما بعده ، وحينئذ تعود الأسبقية بهذا المعنى الذي هو السابق على جميع الأيّام إلى الجهة الثانية ، أعني أنّه لم يسبق بمثله ، ولا أقل من الفهم العرفي من لفظ الأوّل ، فإنّ العرف يفهم منه ما لم يكن مسبوقاً بمثله ، كما أفاده الشيخ قدسسره بقوله : فالأوّل عندهم هو ما لم يسبق بمثله (١) ويتّضح ذلك بمقابلة الأوّل والوسط والآخر ، فإنّ الظاهر من الآخر ما لم يكن بعده شيء مثله ، والوسط ما كان مقروناً بمثله من قبله ومن بعده ، والمراد بالأوّل ما لم يكن مسبوقاً بشيء مثله من قبله. وإذا تمّ لنا
__________________
(١) فرائد الأُصول ٣ : ٢٤٥.