قوله : أمّا في صورة الجهل بتاريخهما ، فلأنّ أصالة عدم كلّ منهما في زمان الآخر لا تقتضي سبق الكرّية ، وكذا إذا علم بتاريخ الملاقاة ، فإنّ أصالة عدم الكرّية إلى زمان الملاقاة تقتضي عدم تحقّق موضوع الطهارة (١).
لا يخفى أنّه في صورة العلم بتاريخ الملاقاة والجهل بتاريخ الكرّية ، يكون استصحاب عدم الكرّية الذي هو عبارة عن استصحاب القلّة إلى ما بعد الملاقاة قاضياً بوقوع الملاقاة حال القلّة ، ويكون من قبيل إحراز أحد جزأي موضوع النجاسة وهو الملاقاة بالوجدان ، والآخر وهو كون الملاقي قليلاً بالأصل. وحينئذ يكون الماء محكوماً بالنجاسة من جهة الأصل المذكور ، لا من جهة عدم تحقّق موضوع الطهارة والرجوع إلى قاعدة المقتضي والمانع ، بل من جهة إحراز موضوع النجاسة وهو الملاقاة وكون الماء الملاقي للنجس قليلاً ، وليس ذلك من قبيل استصحاب الحياة إلى حين وقوع الضرب الذي هو أصل مثبت بالنسبة إلى تحقّق القتل ، فإنّ نسبة النجاسة إلى الماء بالملاقاة وإن كانت كنسبة المقتولية إلى الحيوان بوقوع الضرب عليه ، إلاّ أنّ الفرق بينهما هو أنّ النجاسة حكم شرعي موضوعها الملاقاة للماء القليل وقد تحقّق ، بخلاف القتل فإنّه لازم عادي لا يترتّب على وقوع الضرب على الحيوان الحي إلاّبالأصل المثبت ، فتأمّل.
ومن ذلك يظهر لك الحال في صورة الجهل بتاريخهما ، فإنّه بعد أن لم يجر فيها استصحاب عدم الملاقاة إلى ما بعد الكرّية ، ينفرد فيها استصحاب القلّة وعدم الكرّية إلى ما بعد الملاقاة ، وقد عرفت أنّه حاكم بالتنجيس لكونه منقّحاً لموضوعه.
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٢٩.