بعض حالات موضوعه ـ ممّا لا شاهد عليها ، فإنّ الاستصحاب ليس هو إلاّعبارة عن جرّ الحكم السابق من زمان اليقين به إلى زمان الشكّ في بقائه ، سواء كان منشأ الشكّ في بقائه هو احتمال نسخه ، أو كان هو تبدّل بعض حالات موضوعه ، ولعلّها راجعة إلى دعوى كون النسخ تخصيصاً بحسب الأزمان وأنّه من مقولة الدفع لا الرفع ، كما أنّ دعوى كون أصالة عدم النسخ أصلاً مستقلاً غير راجع إلى الاستصحاب ممّا لا شاهد عليها ، ولو فرضنا الشكّ في نسخ نفس الاستصحاب ـ أعني نسخ مفاد « لا تنقض اليقين » ـ نلتزم بعدم إمكان الحكم ببقاء هذا الحكم.
مضافاً إلى ما عرفت من أنّا لو سلّمنا كون استصحاب عدم النسخ أصلاً مستقلاً ، لم يكن ذلك بقاض بحجّية المثبت منه ، الذي هو منشأ الإشكال في استصحاب الحكم من ناحية تبدّل الحالة.
فالحقّ : هو أنّ استصحاب الحكم التعليقي ـ أعني الحرمة المعلّقة على الغليان ـ حاكم على استصحاب حلّيته الفعلية ، سواء كان منشأ الشكّ في بقاء ذلك الحكم التعليقي هو احتمال نسخه ، أو كان منشأ الشكّ في بقائه هو احتمال مدخلية تلك الحالة فيه أعني العنبية التي تبدّلت إلى الزبيبية ، كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى (١).
بقي الكلام في كون الحلّية محدودة شرعاً بالغليان وعدمه ، فإن قلنا بكونها ناشئة عن ملاك محدود بالغليان ، كما أنّ ملاك الحرمة منحصر بوجود الغليان ، تعيّن الأوّل ، وإن قلنا بأنّ ملاك الحلّية في نفسه غير محدود بذلك ، غايته أنّه إذا وجد الغليان يتولّد منه ملاك التحريم ، وإذا رأينا الشارع قد حكم بالحرمة عند الغليان علمنا أنّ ملاك التحريم أقوى من ملاك الحلّية ، وحينئذ يكون ارتفاع
__________________
(١) راجع التنبيه الآتي في الصفحة : ٦٠ وما بعدها.