الحلّية عند الغليان عقلياً من باب أنّ وجود أحد الضدّين وهو التحريم يكون موجباً عقلاً لارتفاع الضدّ الآخر وهو الحلّية ، وهذا التفصيل مأخوذ ممّا حرّرته عن درس الأُستاذ العراقي ، ولعلّه إليه يومئ في مقالته حيث قال فيها في عبارته السابقة : إذ كما يجري استصحاب الحرمة التعليقية كذلك يجري استصحاب عدم الوجوب منوطاً بعدم المعلّق عليه ، وإن كانت مثل تلك الاناطة عقلية محضة من قبيل تزاحم المناطين (١).
ويمكن أن يقال : إنّ ملاك الحلّية وإن لم يكن محدوداً في حدّ ذاته بالغليان إلاّ أنّه لمّا كان عند الغليان يحدث ملاك التحريم وكان هو أقوى ، كانت المسألة من تزاحم الملاكات في مقام الجعل والتشريع ، ووقوع الكسر والانكسار بينهما في ذلك المقام يوجب مغلوبيّة المنكسر وعدم تأثيره في ذلك المقام في مقتضاه ، وحينئذ قهراً يكون تأثير ملاك الحلّية منحصراً بما قبل الغليان ، وأنّه ينتهي تأثيره فيها عند الغليان ، وذلك هو عين المحدودية الشرعية.
وبالجملة : أنّ جعل الحرمة مشروطة بالغليان هو عين جعل الحلّية محدودة به ، سواء كان ذلك لقصور ملاك الحلّية ، أو لانكساره وغلبة ملاك الحرمة عليه.
ومن ذلك يظهر لك أنّه ليس لنا في قبال استصحاب الحرمة التعليقية إلاّ استصحاب الحلّية الزبيبية المردّدة بين المحدودة وغير المحدودة ، أمّا حلّية نفس العنب فلا ريب في كونها محدودة ، فلا أثر لاستصحابها في قبال استصحاب الحرمة التعليقية ، بل لا أثر للقطع ببقائها ، كما أفاده في الكفاية (٢). نعم لو لم تكن حلّية العنب محدودة بالغليان شرعاً ، كان استصحابها جارياً ومعارضاً
__________________
(١) مقالات الأُصول ٢ : ٤٠٣.
(٢) كفاية الأُصول : ٤١٢.