ليس هو تلك الصور الذهنية ، بل إنّ الموضوع أو متعلّق التكليف إنّما هو الواقعيات المحكية بتلك الصور الذهنية ، ومن الواضح أنّ بساطة الحاكي لا توجب بساطة المحكي ، وإلاّ لاستحال امتثال تلك التكاليف واستحال تعلّق الأحكام بها ، فلم يبق إلاّدعوى أخذ تلك الصور الذهنية في موضوعات الأحكام وهو محال ، كما قاله في الكفاية (١) في مبحث المعاني الحرفية وغيره من المباحث ، وكيف يمكن أن تكون الصورة الذهنية للعالم في مثل أكرم العالم وقلّد المجتهد ، موضوعاً لوجوب الاكرام ووجوب التقليد ، بل قد جعل في الكفاية هذه الاستحالة برهاناً على عدم أخذ الوجود الذهني قيداً في كلّ من المعاني الاسمية والحرفية.
والذي حرّرته عنه قدسسره في هذا المقام لعلّه يختلف بعض الاختلاف عن هذين التحريرين ، فإنّه بعد أن حرّر الوجه في التركيب قال ما هذا لفظه حسبما حرّرته عنه قدسسره : ولا يخفى أنّ المفاهيم التي وضعت الألفاظ بازائها وإن كانت حاكية عن مركّب خارجاً ، إلاّ أنّها لمّا كانت هي الصور الذهنية المنتزعة منها فلا محالة تكون بسيطة ، وحينئذ فلفظ « الأوّل » لا يمكن أن يكون موضوعاً إلاّلذلك المفهوم البسيط المنتزع من ذينك الأمرين ، ويستحيل أن يكون مفهومه مركّباً من ذينك المفهومين ، إذ لا يمكن الحكاية عن ذينك المفهومين إلاّبلفظين يكون أحدهما حاكياً عن أحد المفهومين والآخر حاكياً عن المفهوم الآخر ، وإذا كان مفهوم « الأوّل » أمراً بسيطاً منتزعاً عن ذلك المركّب لا أنّه عينه مفهوماً وإن كان عينه خارجاً ، وكانت نسبته إليه نسبة المسبّبات إلى أسبابها التوليدية ، لم يكن إحراز أحد ذينك الجزأين بالأصل والآخر بالوجدان كافياً في تحقّق مفهومه إلاّ بالأصل المثبت.
__________________
(١) كفاية الأُصول : ١١.